استمارة خدمة حررلي
نيكستوري – زوزان حسن
“أذكر أن جدّتي كانت تستعمل في السابق كيساً من القماش، كانت قد صنعتهُ بنفسها لتضع به حاجياتها أثناء التبضّع، وكان الأمر شائعاً حينذاك، إلى أن ظننا بأننا وصلنا لمرحلة الراحة ومواكبة التطوّر، واستبدلنا هذه الأشياء بمواد البلاستيك والنايلون، في غفلةٍ منّا بأضرار هذه المواد على البيئة المحيطة بنا” علّقت ستير يوسف إحدى ساكنات مدينة قامشلي لـ نيكستوري، بعد صمتٍ قصير لدى سماعها عمّا تخلّفه الكميّات الكبيرة من مواد البلاستيك والنايلون المُستهلَكة حول العالم، من كوارثَ بيئيّة.
يستخدم العالم سنويّاً ما يقارب من 500 مليار كيس مصنوعة من مادّة البلاستيك، وتُلقى ثمانية ملايين طن منها في المحيطات، كما أن نسبة 50% من البلاستيك يتم استخدامه لمرة واحدة، حيث يتم شراء مليون زجاجة بلاستيكيّة في كل دقيقة تمرّ، وفق إحصائيّاتٍ نشرتها الأمم المتّحدة، وذلك في ظل تزايد الجهود الدولية بهدف تقليل التلوّث البيئي الناتج عن البلاستيك، لما له من تأثيرٍ على الصحّة والاقتصاد والتنوّع البيولوجي والمناخ.
ماذا عن شمال شرق سوريا؟
حذّر/ت باحثون/ات ألمان/يات أنّ جزيئات البلاستيك تُعتبر كائنات مسبّبة للأمراض، وتعمل كناقل للأمراض في البيئة، وتتفاعل أيضاً مع حيوانات التربة، ما يؤثّر على صحّتها ووظائف التّربة، وغيرها الكثير من الأضرار.
وفي استبيانٍ أعدّته منظّمة نيكستيب في منطقة الجزيرة بشمال شرق سوريا، استهدف (101) بائعاً وبائعة في محلّات بيع الخضار والفواكه والمستلزمات اليوميّة، تبيّن أنه يتم استهلاك ما يقارب من (131،502) أكياس النايلون، و(144،000) من العبوات البلاستيكيّة أسبوعياً لدى هؤلاء.
وصرّحت بيريفان عمر، نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الإدارة المحليّة والبيئة في إقليم الجزيرة لـ نيكستوري، أنهم/نّ عملوا/ن على تجريب عدّة طرق لتجميع النفايات البلاستيكيّة بهدف التخلّص منها بطرق سليمة، إلا أنّها لم تلقَ النجاح حتّى الآن، مُبرّرة فشل هذه التّجارب بوجود أشخاص يقومون/ن بإفراغ أكياس النفايات وبعثرتها بهدف تجميع هذه المواد.
من جانبه، يقول سِراج محمّد الخبير في شؤون البيئة لـ نيكستوري، إنّ المواد البلاستيكيّة تتفتّت وتتحوّل إلى جزيئات لا يتجاوز قطرها 5 ميليمترات، وذلك عند بقائها في التربة لفترة طويلة، والتي تؤثّر بدورها على تهوية التربة والزراعة.
“إنّ أضرار البلاستيك لا تقتصر على الزراعة فقط، فالمواشي تتغذّى من الأراضي التي تحتضن كميّات كبيرة من البلاستيك المُستهلَك والمرمي عشوائيّاً، مسبّبةً لها أمراض كثيرة” وفق ما أوضحه نبيل موسى المختص أيضاً في القضايا البيئيّة، مستكملاً قوله إن هذه النفايات باتت متواجدة في كل مكان، حتّى في الهواء، وينتهي بها المطاف في أمعاء السكّان/الساكنات المحليّين/ات، وما لم يتم التوقّف عن استخدام هذه المواد، فإنها حتماً ستتسبب بموت أعداد كبيرة من الناس.
وفي سياقٍ متّصل، أثبت تقرير صدر عن برنامج الأمم المتّحدة للبيئة، أنّ 85% من النفايات البحريّة تعود للبلاستيك، وأنه بحلول عام 2040 ستتضاعف الكميّة التي تتدفق إلى المُحيط ثلاث مرّات تقريباً، وأشار التقرير إلى أنّه سيُضاف ما يقارب من 23 إلى 37 مليون طن من النفايات البلاستيكيّة إلى المحيط سنويّاً، وهو ما يُعادل 50 كيلوغراماً من النفايات البلاستيكيّة لكل متر من الشريط الساحلي حول العالم.
هذه المعلومة سبّبت قلقاً كبيراً لدى آلان سليمان أحد قاطني مدينة قامشلي، والذي تساءل حول مدى إمكانيّة نقل أضرار البلاستيك إلى البشر عبر تناولهم/نّ للأسماك، ما يؤدّي إلى نقل الأمراض إليهم/نّ، مشيراً إلى أنّه لم يكن على درايةٍ سابقاً بهذه الأضرار المُحتملة، نتيجة استهلاك المواد البلاستيكية ودورة حياتها كنفايات لا تتحلل في فترات قصيرة من الزمن.
وتُظهر دراسة أعدّها/تها باحثون/ات من متحف فيلد للتاريخ الطبيعي/Field Museum of Natural Histo في مدينة شيكاغو، أنّ الأسماك كانت تبتلع جزيئات البلاستيك المجهريّة منذ خمسينات القرن الماضي، وقد تبيّن بعد فحص أحشاء أسماك المياه العذبة المحفوظة في مجموعات المتحف، أن تركيزات جسيمات البلاستيك الصغيرة (اللدائن الدقيقة) قد زادت بشكل كبير مع مرور الوقت.
هل من الممكن إغلاق صنبور البلاستيك والنايلون؟
حصلت نيكستوري على إحصائيّات رسميّة من مكتب التجارة التابع لهيئة الاقتصاد في شمال شرق سوريا، تفيد بأنه تم استيراد (228,75) طن من أكياس النايلون في الفترة الممتدّة بين شهر نيسان وأيّار من عام 2023، إلّا أنّه تعذّر الحصول على إحصائيّات خاصّة بكمية البلاستيك المستورد إلى جانب ما يتم تصنيعه واستهلاكه محليّاً، بسبب عدم توفّر البيانات لدى الجهات المعنيّة.
وفي جولةٍ قام بها فريق المنصّة على عددٍ من مطاعم مدينة قامشلي، ذكر/ت أصحاب/صاحبات البعض منها أنّه في كل مطعم يتم استهلاك ما يقارب من 70 إلى 150 عبوة بلاستيك يوميّاً، في حين أوضح أحد هؤلاء (رفض ذكر اسمه) أنّه قام باستبدال العبوات البلاستيكيّة بالزجاجيّة، والتي يقوم بإعادتها للمصنع حتى يتم تعقيمها وتعبئتها مرّةً أخرى، في بادرةٍ على الرغم من أنّها فرديّة، إلّا أنّها قد تكون نموذجاً لإيجاد بدائل للمواد المصنوعة من البلاستيك.
وفي هذا الصّدد، أوضحت بيريفان عمر أن الإجراءات التي تتّخذها هيئة الإدارة المحليّة والبيئة بإقليم الجزيرة تضمّنت توجيه مديريّة البيئة نحو إعداد دراسة حول كيفيّة التقليل من استخدام المواد المصنوعة من البلاستيك والنايلون، كما أنّ أبرز التوجيهات كانت البدء بحملات توعويّة حول أضرار استهلاك هذه المواد، إلى جانب التشجيع على صناعة أكياس القماش، بالإضافة إلى توجيه بعض المقترحات إلى الجهات المعنيّة لوضع قوانين من شأنها ضبط كميّات هذه المواد التي تدخل إلى المنطقة.
من جانبه شدّد نبيل موسى على أهمية التوعية بإعادة تدوير البلاستيك والتقليل من استخدامه، عبر حملات مناصرة إعلامية موجّهة للمجتمع المحلّي، فبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة يمكن أن يؤدّي التحول إلى اقتصاد دائري (نظام اقتصادي يهدف إلى القضاء على الهدر والاستخدام المستمر للموارد)، إلى تقليل حجم المواد البلاستيكية التي تدخل المحيطات بأكثر من 80% بحلول عام 2040، وتقليل إنتاج المواد البلاستيكية البِكر بنسبة 55% وتوفير 70 مليار دولار أميركي للحكومات، إلى جانب تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25%.
كما يؤكّد نبيل أنه يقع على عاتق الحكومات المحليّة تشجيع الأفراد والمعامل على تبنّي سلوكيّات صحيّة مستدامة، وذلك عبر إطلاق حملات توعويّة، وفرض الضرائب التي من شأنها التحفيز على استخدام الخيارات البديلة الأكثر صداقة مع البيئة.
بالرغم من أنّه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الممارسات والسلوكيات الفردية الصحيّة لا يمكنها أن تُحدِثَ فرقاً جذريّاً في حل المشكلات البيئيّة، إلّا أنها قد تكون بمثابة أولى الخطوات نحو الوصول إلى تنسيقٍ جماعي، لتحفيز الجهات المعنيّة بهدف تكثيف الجهود نحو العمل على تطوير مواد جديدة ومستدامة، يمكن أن يتم استبدال البلاستيك بها، إلى جانب توفير الدعم لعمليات إعادة التدوير، ورفع التوعية المجتمعية، بغية تنشئة أجيال جديدة تولي اهتماماً أكبر للقضايا البيئيّة.