نيكستوري – عليا محمد
“لم يسبق أن شعرتُ بالسوء وبحالةٍ من الضياع، بقدر ما شعرت به حين قام شخصٌ مجهول باختراق حساباتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ يبتزني ويطلب مني صوراً شخصية عارية من الثياب”، تصف رنا (فتاة عشرينية من مدينة ديريك/المالكية) حالتها النفسية في ذاك الوقت.
تعرّضت رنا للتهديد من قبل ذاك الشخص بأنه سيقوم بإنشاء حساب باسمها، وسيقوم بتبادل الأحاديث الجنسية مع الرجال، ومن ثم سيقوم بإرسال تلك المحادثات إلى عائلتها، وجلّ ما كانت تخشاه هو تنفيذ التهديد ووصول هكذا محادثات إلى عائلتها، وسط غياب أي شخصٍ تثق به لتخبره عمّا تتعرض له، على حدّ قولها.
وتوضّح رنا أن ما حدث معها كان نتيجة نقرها على أحد الروابط الإلكترونية التي أرسلت إليها من قِبل صديقة لها، وقبولها للشروط الواردة في الرابط، وقد شكّل الابتزاز الذي تعرّضت له، ضغطاً نفسياً لم تجرؤ وسط ذلك على إخبار عائلتها أو الوصول إلى أية جهة أمنية لتقديم شكوى، نتيجة عدم وعيها بالأمن الرقمي.
“لا أعرف ما معنى الأمن الرقمي، ولم أتّخذ يوماً أي إجراءٍ لحماية حساباتي الشخصية، كما أنني لا أقوم بقراءة الشروط والمعلومات الواردة عند تنزيل أي مقطع أو صورة من موقع ما، كل ما أفعله هو الضغط على زر الموافقة”، تقول رنا.
وبحسب شركة مايكروسوفت، فإن الأمان عبر الإنترنت، أو ما يُعرَف بالأمن الرقمي، فهو ممارسة لحماية المعلومات والأجهزة والأصول المالية، بما فيها المعلومات الشخصية والحسابات والملفات والصور وحتى الأموال.
الاستهتار بالأمن الرقمي خلّف ضحايا لأشكال مختلفة من الانتهاكات
إن غياب الوعي بالأمن الرقمي يؤدّي إلى حدوث انتهاكات عديدة ضد خصوصية الأفراد، تصل إلى خسائر مالية، وابتزاز إذا ما كان الشخص المستهدف ناشط/ة سياسي/ة، بحسب ما يوضحه دلشاد عثمان الخبير في الأمن الرقمي في حديثه لـ نيكستوري.
ويضيف دلشاد أنّ الاستهتار بمسائل الأمن الرقمي يعني الاستهتار بحياة الأفراد من كافّة النواحي سواء أكانت مالية أو شخصية أو مهنية أو علمية، وذلك ما تجسّد بالفعل في التجربة التي عايشتها منار (اسم مستعار لفتاة عشرينية من مدينة الحسكة) لما تعرّضت له من ابتزازٍ مالي من قبل أحد الأشخاص.
قامت منار بنشر صورةٍ تجمعها مع صديقتها عبر خاصية القصة المؤقتة (الستوري)، وبعد فترة تحدّثت إليها فتاة كانت قد أضافتها منذ فترة قصيرة، لكن تبيّن فيما بعد أنه شاب ينتحل اسم فتاةٍ، وطلب منها صوراً شخصية لها، وبعد أن رفضت الأمر، هددها بأنه يحتفظ بتلك الصورة وسيقوم بنشرها إن لم تدفع مبلغ مليون ليرة سورية له، على حد قولها.
وتقول منار إن نشره لصورها على وسائل التواصل يعد أمراً “غير مقبول” لدى عائلتها.
“لم أستجب للشخص الذي هدّدني، لكن لم أعي بما فيه الكفاية بكيفية حماية حساباتي الشخصية، إلا بعد أن خضعت لتدريبٍ حول الأمن الرقمي، وقبل ذلك قمت بحذف كافة الأشخاص الذين لا أعرفهم من حسابي الشخصي” تقول منار.
إنّ التطوّر السريع في مجال الذكاء الاصطناعي أتاح العديد من الفرص على الصعيد العالمي، بدءاً من تسهيل تشخيص الأمراض، إلى تمكين التواصل البشري من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ورفع كفاءة الأيدي العاملة من خلال المهام الآلية، ومع ذلك فإن هذه التغيرات السريعة تثير معها مخاوف أخلاقية كبيرة، ويتأتّى ذلك من قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على ترسيخ التحيّزات، وتهديد حقوق الإنسان، وغير ذلك الكثير، وقد بدأت هذه المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تُفاقم من أوجه عدم المساواة القائمة، مما يؤدّي إلى إلحاق المزيد من الضرر بالفئات المهمّشة أساساً، وذلك بحسب اليونسكو.
ويشير دلشاد إلى أنّ الدخول إلى الفضاء الرقمي يعني أن الشخص سيفقد جزء من خصوصيته، لكن يبقى السؤال ما هو الحد الذي يمكن تحديده لفقدان الخصوصية، وذلك لما يحتويه العالم الرقمي من مخاطر، وهل سيتم القبول بها؟.
وفيما يتعلّق بهذه المخاطر، يقول دلشاد “عند قيام شخص ما بنشر صورة على أحد المواقع، يجب أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة إذا ما كانت الصورة عامة أو خاصة، أو مخاطر تنزيل الصور من عدمه، لذا فإنه من الضروري تقييمها قبل القيام بأية خطوة، أو التوسع في مشاركة المعلومات الخاصة على الإنترنت”.
من جهتها، ترى سيماف حسن (مسؤولة المناصرة والتواصل لدى منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”) أن للمجتمع المدني دور كبير في رفع الوعي المجتمعي بالأمن الرقمي، في ظل غيابه بما يتعلق بالمسائل الرقمية وكيفية تداول البيانات، مؤكّدةً أن هناك حاجة ماسّة لنشر ثقافة حماية حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب حماية الهواتف من خلال الاهتمام بمسألة الوصول إلى الأذونات.
“بكل بساطة، هناك شريحة كبرى ممن يستعملون الهواتف والتطبيقات على وسائل التواصل الاجتماعي، يقومون بالضغط على زر الموافقة لأي بند يظهر أمامهم في سبيل تفعيل الخدمات التي يحتاجونها” تقول سيماف وتشير إلى أنه من الصعب استهداف كافة أفراد المجتمع بالأمن الرقمي، إلا أن الأمر قد يتحقق بشكل تراكمي من خلال وجود نسبة تعي بمسائل الأمن الرقمي.
توضّح سيماف أن الأمر لن يتحقق على المدى القريب، إلا أنه يمكن العمل على تنظيم حملات مناصرة أو الترويج لثقافة الأمن الرقمي، لتحقيق الوعي المجتمعي بأهميته على المدى البعيد، لكن حتى الآن، لا يتم أخذ المسائلة على محمل الجد.
انتهاك خصوصية الأفراد على الإنترنت هو انتهاك لحقوق الإنسان
نساءٌ كثيرات يتعرّضن لمشاكل وانتهاكات كثيرة شبيهة لما حدث مع منار ورنا، فإنّ واحدة من كل خمس نساء في المنطقة العربية، تعرّضت للعنف الإلكتروني، وقامت بحذف أو إلغاء تنشيط حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في المنطقة العربية.
“إن الدخول إلى البيانات هو انتهاكٌ بحدّ ذاته، لكن المسألة تتحول إلى انتهاك أكبر ممكن أن يصل إلى ابتزاز الضحية التي تم الوصول إلى بياناتها الشخصية، وقد حدثت بالفعل مع نساء قرّرنَ بيع هواتفهنّ، لكن تعرّضن للابتزاز بسبب استعادة الصور من ذاكرة هواتفهن” تقول سيماف.
ومن وجهة نظر قانونية، يوضّح الحقوقي أسعد العايد لـ نيكستوري أن القانون السوري ينص على أنه يُعاقب بالسجن من سنتين إلى ثلاث، ودفع غرامة تبدأ من مليون وتصل إلى أربعة ملايين ليرة سورية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من هدد بالنشر على الإنترنت سواء أكانت صوراً أو فيديوهات أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء عائدة لأحد الناس، وتشدّد العقوبة لتصبح من خمس سنوات إلى سبع والغرامة من أربعة ملايين إلى خمسة، إن وقع الجرم على قاصر/ة.
“إن الكثيرين يقعون ضحايا للابتزاز الإلكتروني، ولا يتجرؤون على تقديم الشكوى خوفاً من الوصم المجتمعي، أما الحل فإنه يكمن في الإبلاغ والتواصل مع الجهات الأمنية بشكل مباشر، وعدم الرضوخ للتهديدات” يقول أسعد، ويشير إلى ضرورة عدم إرسال مبالغ مالية تحت التهديد، والحذر من المواقع غير الرسمية، فغالباً ما تكون فرص التوظيف والجوائز الوهمية بدايةً لاصطياد الضحايا.
ورغم المحاولات المتكرّرة، لم تتمكن نيكستوري من الوصول إلى تصريحٍ من قبل الجهات المعنية في الإدارة الذاتية.
ويركّز دلشاد على أهمية اعتبار الملفات الرقمية جزء من حياة الفرد، والذي يؤثر على كل كافة نواحي الحياة، موضحاً أهمية الوعي حول التطبيقات التي يتم تنزيلها على الهواتف الشخصية، ومعرفة البيانات التي تجمعها التطبيقات التي يتم تنزيلها، إلى جانب ضرورة استشارة المختصين/ات بالأمور الرقمية.
وبحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا يجوز تعريض أحد لتدخّل تعسّفي في حياته/ها الخاصة أو في شؤون أسرته/ها أو مسكنه/ها أو مراسلاته/ها، ولا لحملات تمسّ شرفه/ها وسمعته/ها.
ختاماً، يتضّح أن الأمن الرقمي ليس مسألة تقنية وفنية تخص الخبراء والخبيرات في هذا المجال فقط، بل إنها مسؤولية مشتركة بين كافّة أفراد المجتمع والمؤسسات المعنية والسلطات الحاكمة، كما أنه ليس حق وواجب يتطلب التعاون من كافة الجهات المعنية بنشر ثقافة الأمن الرقمي وتعزيز الممارسات الرقمية الآمنة، وذلك ما لا يمكن تحقيقه دون وجود وعي والتزام مجتمعي حقيقي.