مرضى ومريضات السرطان في رحلة شاقّة للعلاج بشمال شرقي سوريا

نيكستوري – زوزان حسن

“في أي مكان في العالم، ينصبّ اهتمام المريض في كيفية تحمّل آلام الجرعات وكيفية النجاة، أما في بلادنا، فإن البحث عن الأطباء والأدوية، وطرق الوصول إلى أماكن العلاج، يُنسينا أننا مرضى” تلخّص هذه العبارة ما تعانيه شيندا أحمد إحدى ساكنات مدينة قامشلي، والمصابة بمرض السرطان. 

تضطر شيندا إلى سلك طريق قد يمتد إلى أكثر من 18 ساعة للوصول إلى دمشق بهدف تلقّي العلاج، وذلك ما يعايشه مرضى/مريضات السرطان في مناطق شمال شرقي سوريا، نظراً لعدم توفّر المستشفيات والمراكز المتخصصة بتقديم علاج وأدوية مرض السرطان، على حد قولها. 

“طريقٌ شاق، يُرهق الأجساد السليمة، فكيف لجسدٍ أنهكه المرض والجرعات الكيميائية أن يتحمّله” تقول شيندا.

وفي حديثه لـ “نيكستوري”، يقول دانيش ابراهيم الاختصاصي بأمراض الدم والأورام، إنه يستقبل في عيادته بمدينة قامشلي، حالتيّ إصابة بالسرطان يومياً، أي بمعدّل 60 حالة شهرياً، والتي يعتبرها نسبة مرتفعة جداً، ويشير إلى أن أكثر أنواع السرطان المنتشرة بين أهالي المنطقة، هي سرطان الثدي لدى النساء، وسرطان الرئة لدى الرجال، بالإضافة إلى سرطان القولون الشائع لدى الجنسين، بينما ينتشر سرطان الدم بنسبةٍ أكبر لدى الأطفال والطفلات. 

إنهاكٌ جسدي ونفسي يعيشه كل من ي/تصاب بالسرطان في شمال شرقي سوريا

“في أقسى لحظات مرضي، اضطررت لترك طفلي ذو الـ 4 أعوام، والآخر الرضيع، طيلة فترة تلقّي العلاج التي أمضيتها في مدينة دمشق” تقول هيوى علي المنحدرة من مدينة ديريك/المالكية والتي استمرّت في التعافي من سرطان الثدي لما يقارب من سبعة أشهر. 

تشير هيوى إلى أن معاناة المرضى/المريضات بالسرطان في مناطق شمال شرقي سوريا لا تقتصر على تحمّل مشقّة السفر إلى دمشق أو إقليم كُردستان لتلقّي العلاج، بل إنهم/نّ وعند تلقّي العلاج القاسي، بحاجة إلى أن يكونوا/نّ محاطين/ات بعوائلهم/نّ، وذلك ما يفتقدونه بالفعل. 

“كنت أحتاج إلى وجود والديّ وإخوتي بجانبي، وأن أسمع أصواتهم، لقد تركت طفليّ لدى عائلة زوجي لفترة طويلة، عشت على أثر ذلك حالة دائمة من القلق والضغط النفسي” تقول هيوى.

وفي معاناةٍ مشابهة، فإن شيندا التي لا زالت تتلقى العلاج، تضطر إلى الابتعاد عن أطفالها الأربعة، كما أنها تتكبد تكاليفاً باهظة سواء أكانت عند تلقّي الجرعات أو عند السفر، وفي الكثير من الأحيان، فإنها لا تتمكن من الحصول على تذاكر السفر برّاً أو جوّاً، ما يؤدّي إلى حدوث تأخير في تلقّي الجرعات، على حد قولها. 

“أكثر المواقف التي آلمتني، هي ردة فعل ابنتي الصغرى نتيجة سفري المتكرر إلى دمشق لتلقّي العلاج، حيث باتت تتظاهر بالمرض كلّما سمعتْ أنني سأبتعد عنها، كونها تعلم أنه في حالة مرضها سيكون الخيار الوحيد أن أبقى بجانبها”، تقول شيندا.

أما عن التكلفة المادية للعلاج، توضّح شيندا التي لا زالت مستمرة في رحلة العلاج، أنها تتكبّد تكاليف مالية تفوق قدرتها بكثير، حيث تضطر لدفع مبلغ 800 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 55 دولار أمريكي في كل رحلة طيران، وما يتراوح بين 100 ألف و300 ألف ليرة سورية ما يعادل 20 دولار أمريكي أجرة الليلة الواحدة في الفندق، عدا عن سعر الجرعة الواحدة التي يتراوح سعرها بين 100 و250 دولار أمريكي، بينما وصل سعر بعض الأدوية التي تعالج بها شيندا إلى 28 مليون ليرة سورية شهرياً ما يعادل 1950 دولار أمريكي. 

وبحسب ما ورد لدى بعض وسائل الإعلام المحلية، فإنه في 21 آب من العام 2023، أعلنت المؤسسة السورية للطيران في دمشق عن رفع سعر تذكرة السفر بين قامشلي ودمشق، حيث باتت تكلفتها 590 ألف ليرة سورية ما يعادل 40 دولار أمريكي بدلاً عن التسعيرة القديمة التي كانت تبلغ 450 ألف ليرة سورية ما يعادل 31 دولار أمريكي، في حين وصل سعر تذكرة الطيران عبر شركة أجنحة الشام إلى مليون ومئتي ألف سورية ما يعادل 83 دولار أمريكي. 

الدعم بكافّة أشكاله غائب عن مرضى/مريضات السرطان، ولا حلول تلوح في الأفق

تأخر التشخيص واكتشاف إصابة شيندا بمرض السرطان، أدّى إلى تأخر تلقّيها العلاج لعامٍ كامل، وذلك نظراً لندرة الأطباء والطبيبات الإختصاصيين/ات في مدينتها قامشلي، وذلك ما قلل فرص نجاتها، على حد قولها. 

ويوضّح محمود العبد لله نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الصحة لشمال وشرق سوريا، في تصريحه لـ “نيكستوري، إن الهيئة قدّمت التسهيلات لعمل جمعية السرطان في إقليم الرقة، إلا أنهم/نّ يواجهون/ن تحديات عدّة، لعل أبرزها يكمن في قلّة توفّر الخبرات والكفاءات البشرية المتخصصة، من قبيل الأطباء/الطبيبات الاختصاصيين/ات في علاج السرطان، إلى جانب الممرضين/ات ذوي/ذوات الخبرة في الرعاية السريرية للمرضى/المريضات بالسرطان، بالإضافة إلى الاختصاصيين/ات في تشخيص المرض والتصوير الطبي. 

ويشير محمود إلى أنهم/نّ يسعون/ين من خلال الجمعية إلى تخفيف أعباء السفر والتكلفة العلاجية، وقد استقبلت حتى الآن 389 مريضاً/ة بالسرطان، وتقديم الجرعات العلاجية لهم/نّ، على حد قوله. 

وفي الجانب الآخر، يواجه شكري أحمد، الخمسيني من مدينة ديريك/المالكية، تحدّياتٍ من قبيل القدرة على الوصول إلى مراكز العلاج بمدينة دمشق، حيث تم تشخيصه واكتشاف إصابته بسرطان الحنجرة، فهو لم يتمكّن من توفير التذاكر في الأوقات المراد فيها الوصول إلى دمشق لتلقّي العلاج. 

“خضعتُ لـ 32 جلسة ليرز علاجية، بلغت تكلفة الواحدة منها 550 ألف ليرة سورية ما يعادل 38 دولار أمريكي، وفي كل مرة لم أفلح بإيجاد تذكرة سفر، اضطررتُ لاستئجار سيارة خاصة إلى دمشق بتكلفة وصلت إلى أربعة ملايين ليرة سورية ما يعادل 280 دولار أمريكي، ووصلت تكلفة الليلة الواحدة في الفندق إلى 170 ألف ليرة سورية ما يعادل 11 دولار أمريكي” يقول شكري، ويضيف أنه لم يسبق أن وجد جهة قد قدمت له دعماً في أي مجال كان لتخفيف الحمل عنه. 

من جهته، أوضح أحمد إبراهيم مسؤول الإعلام والتوثيق في الهلال الأحمر الكردي، أنهم/نّ يخططون/ن لبناء مستشفى يخدم مرضى/مريضات السرطان في تلقي جرعاتهم/نّ، ولكن سوف تقتصر الخدمة على ذلك فقط دون تأمين الجرعات للمرضى/المريضات. 

وفي سياقٍ متصل، أوضح محمود أن نقص التمويل أحد أكبر التحديات التي تواجه مراكز السرطان في تقديم خدمات العلاج، وشراء المعدات والأدوية، وذلك ما يتطلب موارد مالية كبيرة، على حد قوله، ويضيف أن نسبة الإصابات بمرض السرطان في ازديادٍ مستمر، ويتطلب الأمر زيادة الحاجة إلى توسيع البنية التحتية، وزيادة الكوادر الطبية والفنية المتخصصة. 

تتجاوز أعباء مرضى/مريضات السرطان في منطقة شمال شرقي سوريا، التعب الجسدي والآلام الناتجة عن المرض، حتى تصل إلى زيادة الضغوطات النفسية الناتجة عن ابتعادهم/نّ عن محيطهم/نّ العائلي أثناء التداوي من المرض، وتحمّل التكاليف المالية الباهظة وسط أزمة اقتصادية لم تغادر المنطقة من سنوات، وسط غيابٍ شبه تام للدعم بكافة أشكاله سواءً أكان على الصعيد الحكومي أو على صعيد المنظمات المعنية بالقطاع الصحي، ما يتطلب تكثيف الجهود نحو تخفيف هذه الأعباء على المرضى/المريضات.