في عالمٍ متصل بالإنترنت .. الحياة الخاصة دون سلامة رقمية أكثر عرضة للانتهاك

نيكستوري – هيا أحمد 

“لم أتخيل يوماً أن يكون الإنترنت سبباً في محاولة شقيقي لقتلي!! بل وخسارتي لعملي أيضاً!”

بهذه العبارة تبدأ شهد بسرد قصتها بعد أن تعرّضت للابتزاز الإلكتروني، وهي امرأة ثلاثينية منحدرة من مدينة الرقة، ورفضت الكشف عن اسمها الحقيقي نظراً لحساسية الأمر في وسطها الاجتماعي.

فقدت شهد زوجها في المعارك التي شهدتها المدينة في العام 2013 بين فصائل المعارضة السورية وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وقررت البدء بالعمل لتحقيق استقلالها المادي ولتتمكن من إعالة أطفالها، ولكن ذلك الاستقرار لم يدم طويلاً، فقد ربطتها صداقة مع شخصٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي إحدى المرات التي عانت فيه من مشكلة في تطبيقٍ تستخدمه لعملها، لجأت إليه، وكلّها أمل أن يساعدها، إلا أنها اكتشفت مؤخراً أنها التجأت للشخص الخاطئ. 

“أوهمني أن الأمر غير معقد ويمكنه إصلاح العطل، عن طريق رابط أرسله لي، لكن المفاجأة أنه تمكن من الوصول لملفاتي الشخصية!!” تقول شهد وتوضّح أن نقرها للرابط مكّنه من الدخول إلى جهازها والوصول إلى كافة ملفاتها الشخصية، وتلك كانت بداية المشكلة. 

بدأ بابتزازها بصورها الشخصية، وكان ردها هو التجاهل، لم تتوقع شهد أن ينفذ تهديده بنشر صورها الشخصية، في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد صارمة على النساء، لذا فقد استفاقت ذات صباحٍ على سكّين أمام وجهها وسط صراخ أخيها وتهديداته بأنه سيقتلها، لكن تدخّل العائلة أنقذها ذاك النهار، إلى أن توضّحت المشكلة له.

“لم يكن عملي هو الشيء الوحيد الذي فقدته جرّاء هذه التجربة، بل فقدتُ ثقتي بنفسي وبالآخرين، لكنني بِتُّ أفهم تماماً آليات الأمن الرقمي، وتلك كانت الفائدة الوحيدة.”

غياب ثقافة الأمن الرقمي مشكلة مضاعفة الأثر على النساء

بات التمكين في مجال الأمن الرقمي حاجة ملحّة، بل من أولويات الوقت الراهن، وبدأت تظهر أنواع من العنف تبدو حديثةً بأشكال ومسمّيات ونوايا مختلفة، بحسب ما توضّحه الأخصائية الاجتماعية زينب زبيدي.

“من الممكن أن تكون نوايا العنف الرقمي مادية، أو جنسية، أو تنمّر، أو ابتزاز، أو تسريب معلومات واستخدامها بشكل غير أخلاقي.. والقائمة تطول،” وتشير زينب إلى أن السلامة الرقمية مصطلح جديد بالنسبة للنساء والفتيات بما فيهنّ المراهقات والطفلات، لذا يتم رصد حالات من الاستغلال وانتهاك الخصوصية والتي تتطور إلى تهديدات ومشكلات كبرى.

وفي بياناتٍ تعود للاتحاد الدولي للاتصالات، تبيّن أنه على الصعيد العالمي، تستخدم 57% من النساء الإنترنت، مقارنةً بـ 62% من الرجال، وفي البيانات نفسها، فقد تبيّن أن 30% فقط من المتخصصين/ات في مجال التكنولوجيا والعلوم التقنية، هنّ من النساء. 

إلا أن هذا الاستخدام في ظل غياب الوعي بمبادئ الأمن الرقمي، يعرّض النساء للكثير من المشكلات التي تشكّل وصماً اجتماعياً بحقّهن، وذلك ما يمكن تجسيده في الانتهاك الذي مورِسَ بحق جين (اسم مستعار لامرأة ثلاثينية من ريف مدينة قامشلي. 

فقد كانت جين ضحيّةً لانتهاك زوجها خصوصيّتها عبر التجسس على هاتفها المحمول، وذلك ما تسبب في النهاية بالانفصال بينهما، “حين توجّهتُ للمستشفى إثر المخاض لأُرزَقَ بطفلي، تركتُ هاتفي في المنزل، وبعد مدّة وجيزة، حدث خلافٌ بيني وبين زوجي، كان بسيطاً لكنه انتهى بالانفصال، فقد علمتُ أنه تجسس على هاتفي.”

تقول جين إن زوجها تمكّن من قراءة محادثتها مع والدتها، حيث كان الحديث يتمحور حول علاقتها بزوجها في الوقت الحالي، وفي “لحظة غضب” نعتته بصفةٍ سلبية في المحادثة، وحين تمكّن من رؤية المحادثة، قام بتطليقها. 

جين ليست الضحية الأولى للتجسس على المساحة الخاصة للشخص، فقد حذّر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أن حق الناس في الخصوصية يتعرض لضغوط متزايدة بسبب استخدام التكنولوجيات الرقمية الحديثة المتصلة بالشبكات، التي حوّلتها خصائصها إلى أدوات هائلة للمراقبة والسيطرة والقمع.

لا يزال البعض يقع فريسة بديهيات الاختراق الرقمي

إن السبب الرئيسي في غياب الوعي المجتمعي بالاستخدام الآمن للإنترنت، يعود إلى عدم وضعه في الأولويات حتى على الصعيد المؤسساتي في المنطقة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج سلبية من سلسلة الانتهاكات لخصوصية الأفراد، كما يوضح آراس خلف منشئ محتوى على منصة “يوتيوب”. 

ويوضّح آراس أكثر الطرق شيوعاً لاختراق الحسابات الشخصية، وهي النقر على الروابط مجهولة المصدر، حيث يعمد مرسليها/مرسلاتها أن تظهر الروابط على أنها مسابقات أو برامج مفيدة، حتى تشكّل محتوى جاذب للمتلقّي/ة، وبالتالي فإن النقر عليها يمكّن المخترق/ة من الوصول إلى كافة البيانات والملفات الشخصية، وحتى التحكم بالجهاز. 

“لا يمكن الاستهانة بالسلامة الرقمية، فالكثير من الخبراء في هذا الأمر يقعون فريسة الخطأ.” ويذكر آراس أحد الحالات التي تعرّض فيها شخص ذو خبرة واسعة في الفضاء الرقمي لحالة اختراق، حيث قام بتثبيت أحد البرامج على حاسوبه، وحين تلقّى إشعاراً بوجوب إيقاف مضاد الفيروسات، قام بالاستجابة للإشعار، وكانت النتيجة اختراق كافة حساباته، حتى البنكية، ووجب عليه دفع مبالغ مالية لاستردادها، لذا فإن الحذر أولى خطوات الأمان. 

وتشدّد زينب من جهتها على ضرورة توعية النساء على وجه الخصوص بإجراءات السلامة الرقمية، حتى يصبحن أكثر وعياً في التعامل مع التطور التكنولوجي، وحماية الملفات والبيانات الشخصية، والأهم كيفية إنشاء مساحة خصوصية للتمتع بالأمان سواءً أكان على صعيد التعامل مع العائلة أو الوسط الاجتماعي وصولاً لبيئات العمل. 

“كنت أخبر الجميع حتى عند وجودنا في المحكمة للانفصال أنه تجسس على هاتفي، لكن ما كنت أسمعه أنه زوجي ويحق له ذلك.” تقول جين.

إيلاء الاهتمام للأمن والسلامة الرقمية .. حماية للمجتمع 

هناك حاجة حقيقية لأن توضع السلامة الرقمية في سلّم أولويات المجتمع والجهات المعنية، حيث يتوجب على المؤثرين/ات على وسائل التواصل الاجتماعي أن يقوموا/ن بإنشاء محتوى توعوي يهدف لوعي المجتمع المحلي بمخاطر إهمال وتجاهل إجراءات الأمن الرقمي، كما أن الإعلام يلعب دوراً هاماً في هذا الصدد. 

ويشير آراس إلى أهم وأبسط الإرشادات التي من شأنها الوقاية من الانتهاكات الرقمية، حيث يمكن التأكد ما إذا تم اختراق تطبيق “واتساب” وذلك عبر مراجعة إعداد الأجهزة المرتبطة ويتبيّن إذا ما كان التطبيق مرتبطاً بجهازٍ آخر.

ومن برامج مضادات الفيروسات، فإن برنامج “كاسبر سكاي” (KASPERSKY) يمكن اعتباره واقٍ جيّد من الفيروسات، حيث يتيح إمكانية تلقّي الإشعارات بوجود الفيروسات، ويبيّن سبب عدم الضغط على أي رابط يحوي عليهم، بحسب ما يوضّحه آراس. 

قانونياً، في العام 2012 وبناءً على أحكام الدستور السوري، صدر المرسوم التشريعي 17 لتطبيق أحكام قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، وورد في المادة 21 منه “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف (ما يعادل 7 دولار أمريكي) إلى خمسمئة ألف ليرة سورية (ما يعادل 34 دولار أمريكي)، كل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه حتى ولو كانت تلك المعلومات صحيحة.”

ختاماً، يمكن القول إن ثقافة الأمن والسلامة الرقميين هي مسؤولية مشتركة بين المستخدمين/ات والجهات المعنية، وهناك حاجة ملحّة لرفع الوعي بأهمية حماية الخصوصية على الإنترنت، إلى جانب واجب الجهات المعنية بتطبيق معايير عالية من الأمن الرقمي، وسن القوانين التي من شأنها الحد من المخاطر والتهديدات التي يكون المجتمع المحلي عرضة لها.