نيكستوري – زينة عبدي
بغض النظر عن خصوصية الوسيلة الإعلامية وطبيعتها، فإن لغتها تحتاج إلى خصائص تلائم عملها وتخدم المجتمع بذات الوقت، على اعتبار أن مسؤولية ودور الإعلام بكافة منصاته هو حماية الأمن الفكري للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء وتوجيههما من خلال تبنيه لخطاب فاعل و فعال في تسويق القيم والأفكار والمعتقدات الإيجابية في المجتمع في ظل ما تمر به الحالة السورية على وجه الخصوص.
لا يوجد ضمن الإطار النظري والمنهجي تحليل جلي للخطاب الإعلامي، ولكن أعتقد أنه يتجلى ضمن صورة تفاعلية وتواصلية ومنهج في البحث عن طرح أفكار بناءة تزيد من الترابط في المجتمع مع تزايد احتمالية تفعيل بروبوغندا شاملة عن التفكير الاجتماعي الإيجابي.
باتت جدلية الخطاب الإعلامي في زمن النزاعات و الأزمات الأكثر تداولاً كونه بات محكوماً طبقاً لسياسة معينة أو إيديولوجية تابعة لجهة معينة إيجابية كانت أم سلبية، فكل وسيلة إعلامية ترى الأحداث بمنظار وعين مختلفة، بالإضافة إلى أنه لم يعد خافياً على المجتمع من يحدِّد الرسائل الإعلامية وتوجهاتها والتي من المفترض أن تصب في مصلحة الفرد والمجتمع على حدٍ سواء.
وهنا السؤال الذي بات يطرح نفسه هل الخطاب الإعلامي يلعب دور الانقسام أم أنه سلاح لكشف الحقيقة؟
في الحقيقة الإعلام هو الكاشف لكل ما يجري على أرض الواقع من الحياة بكل تفاصيلها وهذا هو دورها الحقيقي ولكننا نرى بعض الوسائل الإعلامية تلعب الدور المعاكس في مفارقة هي الأغرب حيث باتت بعض الشخصيات تتحكم بها ومن خلالها تنشر أفكارها التي تدعو إلى الانقسام بين كافة الفئات المجتمعية من خلال الرسائل المبطنة بغايات تحرِّض على التفكك الفتاك والهتاك بشكل دراماتيكي.
كلنا يعلم أن الإعلام هو الذي ينقل الحدث بموضوعية من خلال تبنيه لخط المعايير المهنية الصحفية ولكن بتصوري، بعض المؤسسات الإعلامية في المنطقة وخاصة في الآونة الأخيرة باتت تقع بإشكالية خفية، حيث لم تخلق المساحة الكافية لإيصال الرسائل الإيجابية المتعلقة بالتماسك بين الثقافات والقيم والأفهام المختلفة في المجتمع والتي تعتبر من الأولويات الاجتماعية، بارزةً بذلك الرؤية الضامنة لتقبل الآخر بغض النظر عن الخصوصيات (الدين – الإثنية – العرق – القومية وحتى الموقف السياسي….الخ).
فالعلاقة بين المجتمع المحلي والإعلام علاقة شائكة ومتداخلة إلى حدٍ كبيرٍ، لذلك يُطلَب من الوسائل الإعلامية وبمقدورها أن تقدم ما هو الأنفع والأكثر إفادة للوسط، من خلال برامجه الهادفة إلى طرح سبل لتحقيق إيجابية تخدم كلا الطرفين وتعالج مشكلاتهما كما يستوجب.
يحتاج الخطاب الإعلامي إلى أن يكون جسر التواصل بين الفكرة والخدمة وهنا المجتمع يرفض أو يقبل تلك الفكرة عبر مدى ثقته بالوسيلة الإعلامية التي تخاطبه، ولكن دلالات المحتوى الخطابي ضمن بعض الوسائل الإعلامية (مستقلة وغير مستقلة) تعبر أحياناً عن اتجاهات ومواقف بعض الجهات التي لا تناسب منطق وفكر المنظومة المجتمعية على الإطلاق، حيث من المفترض أن ينبذ الإعلام في خطابه المناطقية والطائفية والتعصب والتمييز لتفعيل دوره المهني وتقديم صورة حقيقية عن الواقع بعيداً عن التلميع أو التمييع مع محاولة إيجاد وتقديم حلول للقضايا التي يطرحها .
ويعتبر الإعلام عاملاً مهماً وحيوياً لتسويق الأفكار الإيجابية وأحد أهم القوى التي تؤثر في حياتنا بشكل كبير من خلال التعزيز وبناء الثقة والوعي لدى الجمهور، ولكن لا تزال التجارب الإعلامية تعاني إلى يومنا هذا من قصور في المهنية وكيفية توجيه مضامين الرسائل المتعلقة بقضايا المجتمع ورؤاه وخاصة فيما يتعلق بالتماسك المجتمعي ونشر الأفكار الإيجابية التي تخلق بدورها فضاء من الأفق الحي بالتفكير وتوجيه النقد التحليلي للخطاب الإعلامي لإسقاط الحدود التقليدية بين الإعلام والمجتمع.
تحليل الخطاب الإعلامي لا يزال محدوداً بشكل نسبي أو يمكننا القول بات معدوماً ويحتاج لمنهجيات عمل صحفية علمية تخاطب وتحلل القضايا والأفكار ذات الخلفيات المجتمعية و بصورة بناءة بعيداً عن التسطيح والتنميط والتأطير في عصر العولمة الذي أفرز نوعاً من التقارب والتبادل الثقافي مستبطنةً بداخلها مشروعاً بصيغة مختلفة تحاول من خلاله جذب وضم الخصوصيات الثقافية تبعاً لمنطق الاستيلاب مما ينتج عنه التصدع الاجتماعي مخلفاً وراءه أزمات عدة.
وبالرغم من ذبذبة واقعنا إلا أنه يشي بالعديد من التغيرات وذلك حسب ما تقتضيه اللحظة والحدث نفسه وهنا لا بد من القول بأن الإعلام في بعض المؤسسات الإعلامية يقوم بدوره الكاشف للحقيقة بصورة متزامنة مع الواقع، بالإضافة إلى تنامي قدرته على التواصل مع المجتمع والفرد بشكل أوسع والتأثير فيهم بل وسعت إلى البحث في قضاياهم وإبرازها بمشهد متكامل رغم الفوضى الإعلامية التي يشهدها الواقع الإعلامي، وهنا أصبحنا نلحظ العديد من التحولات على مراحل في تشكيل خطاب إعلامي موجه للنسق الاجتماعي بالتوازي مع الأنساق الأخرى التي تستدعي طبيعتها الوقوف على طرح أفكار اجتماعية إيجابية متوازنة.
وخلال العقدين الماضيين ونتيجة مرورنا بثورة تكنولوجية علمية وشبكات عنكبوتية عالمية عموماً ضمن عالمنا، الشبيه بالقرية الصغيرة التي تتشابك وتتلاقى فيها العلاقات والمصالح، فإننا نلاحظ تأثيرها بنسبة عالية على المحتوى ضمن الوسائل الإعلامية بشكل فاعل حيث تمارس دوراً مهماً مباشراً وغير مباشر في بناء الفكر المجتمعي الإيجابي بحمله للمضامين الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، وتُستثمر تلك التقنيات الحديثة في التواصل لمواجهة الأفكار المهددة للفكر المجتمعي الإيجابي وأمنه.
تتطلب بشكل عام الهندسة الاجتماعية والتسويق لأفكار اجتماعية تخدم الفرد والمجتمع في مناطقنا مراقبة عامة من الإدارة الحاكمة والجهات الإعلامية المعنية على المحتوى الإعلامي والقيام بفلترتها إذا تطلب الأمر وإيلائها اهتماماً خاصاً للحفاظ على كيان النطاق الإعلامي في ظل التدفق والتنامي السريع للأخبار والمعلومات نتيجة التطور التكنولوجي، وفرض الإصلاح الحتمي للمحتوى بما يتواءم مع الفكر المجتمعي وأيضاً مواكبة الثورة التكنولوجية لأنها في غاية الأهمية والخطورة بذات الوقت إذا لم يتم تداركها.
نعتبر التجربة الإعلامية تجربةً وليدة تفتقد للكثير من المقومات الإعلامية المهنية بمختلف وسائله آنياً إلا أنه لا يمكننا تهميش دورها وخاصة في إبراز القضايا الجوهرية المجتمعية بشكل مباشر في ضوء المتغيرات كمياً ونوعياً وخاصة أثناء المنازعات والصراعات، علاوةً على ذلك فقد زاد اعتماد المجتمع والفرد بذات الوقت عليها لأنها باتت جزءاً منهم والتي تلبي رغباتهم واحتياجاتهم عبر برامج منوطة بتفعيل وتنفيذ التنشئة الاجتماعية التي من شأنها ترسيخ وتعزيز القيم والأفكار التفاعلية الإيجابية.
يعد الإعلام نظاماً مرتبطاً بشكل وثيق بالمجتمع وأهدافه وقضاياه، فمن خلال الإرشاد والتوجيه وتقديم الحلول الأنسب للرأي العام لمواجهة التحديات والصعاب التي تواجهه يمكنه تحجيم تلك القضايا والمشكلات، بالإضافة إلى أنه يتيح فرص اختيار الحل الأنسب وفي بعض الأحيان معالجة تلك القضايا وهذا يزيد من فاعلية الإعلام بوظائفه المختلفة من تأثير، تثقيف، تفاعل، مشاركة وزيادة الوعي بالأفكار الإيجابية وطرحها وتنفيذها.
لقد صار الأمر جلياً بأن الإعلام ذو دور بالغ الأهمية في تشكيل رؤى وتصورات لدى الناس بأنهم قادرين أن يصبحوا قيمة قيِّمة ومضافة وأن يقدموا ما بوسعهم لخدمة أنفسهم ومجتمعهم والانصهار أكثر في علاقتهم بالإعلام باعتباره الناشر والكاشف والناقل والمروَج.
من خلال متابعتنا للإعلام في الفترة الأخيرة وبمراحله المختلفة فإننا نلاحظ فيه نمواً مضطرداً في إحداث التغيير الجوهري بكافة مناحي الحياة تخطت مختلف العقول والأذواق وبالشكل الإيجابي والتأثير فيها، وبات حاضراً في كل شيء حسب منظري وعلماء الاتصال أمثال ماكويل وشرام وغيرهم.
وفي عصر العولمة الإعلامية ولِما للمشهد الإعلامي من دور في تكوين وغرس وتدعيم السلوك والانفتاح والقيم وأساليب الحوار الفعال ضمن المنظومة المجتمعية من خلال برامجه وحملاته ورسائله بات هو الأكثر تأثيراً في تلك المنظومة من خلال إفساح المجال لها في تشكيل رؤاها واتجاهاتها في ترسيخ الترابط ونشر الإطار المعرفي والاجتماعي.
فالإعلام له دور كبير في إحداث التغييرات الجذرية و الجوهرية في حياة الناس وقضاياهم وقادرة على التأثير والتأثر بكفاءة وإقناع وإسهام إيجابي إذا ما قامت بدورها الحقيقي المستند على المعايير المهنية وهذا ما يحتم علينا أن نعتبره ظاهرة اجتماعية حاضرة في حياة الفرد والمجتمع.
وأخيرا يتوجب على المشهد والخطاب الإعلامي أن يكونا ذات فعالية ناجزة في مسعاهما من خلال قراءتهما للأحداث وأن يقوما بإعداد استراتيجيات ومنهجيات توائم الواقع والظروف والسياقات المختلفة.
تم إنتاج هذه المادة في إطار مشروع “معاً أقوى” الذي تنفذه منظمة نيكستيب، والذي يهدف للمساهمة في تعزيز التماسك المجتمعي بين مجتمعات شمال شرقي سوريا