التماسك المجتمعي يمر عبر تعزيز العلاقة بين المجتمع الضيف والمضيف

“لا يمكن أن أنسى اللحظة التي حظيت فيها بعملي كمترجمة رسمية في شركةٍ بالمنطقة التي أقيم بها، ويعود الفضل إلى أصدقائي المنحدرين من ذات المنطقة، الذين ساعدوني لأحصل على هذه الفرصة المناسبة لطموحاتي.” تقول يارا محمد (28 عاماً) التي تعمل مترجمة ومدرّبة في مجال التنمية البشرية، والتي نزحت من مدينتها عفرين، وتقيم الآن في مدينة قامشلي منذ العام 2019.

وتعتبر يارا أن تحقيق الاندماج بين المجتمعات المضيفة والنازحين/ات إليها، أمر مهم ينبع من اعتباره تحدٍّ حقيقي يواجهه النازحون/ات، مع ما يرافقه من التعايش مع التغيرات الجغرافية والثقافية، ويعتبر تحقيق الاندماج أهم عوامل تعزيز التماسك المجتمعي والعدالة الاجتماعية بين الأفراد المتعايشين/ات في المنطقة ذاتها، بحسب ما توضحه يارا. 

من جهته، يعتبر الباحث الاجتماعي وليد رمزي (45 عاماً)، أن الحرب السورية الممتدة من أكثر من عشر سنوات، لعبت دوراً كبيراً في خلق الكثير من الثغرات التي تحدّ من تحقيق الانسجام والاندماج بين المجتمعات السورية المختلفة، مضيفاً إلى ذلك، حركة النزوح العشوائية من مختلف المناطق السورية تجاه منطقة شمال شرقي سوريا، سواءً للبحث عن المكان الأكثر أماناً، أو بحثاً عن تحسين الواقع الاقتصادي، لذا فإن الاندماج مسألة مجتمعية مهمة، تعتمد على الوقت، والتواصل المستمر، وكسر حالة الجمود بين أفراد المجتمَعَين، سعياً لخلق نسيجٍ متكامل، يدعم تنمية المجتمع وتماسكه. 

وفي جلسةٍ حوارية عقدتها منظمة نيكستيب في العام 2022، لمناقشة واقع العلاقة بين المجتمع المضيف والضيف، وبحضور أشخاص من مختلف المجالات من المجتمَعَين، وصف بعض الحضور هذه العلاقة بالـ “جيدة” مقارنة بدول الجوار، دون إنكار وجود خطاب كراهية موجّه ضد النازحين/ات في منطقة الجزيرة بشمال شرقي سوريا، في حين رأى البعض الآخر  أن العلاقة “سيّئة” وذلك بدلالة وجود النازحين/ات في المخيمات التي تفتقر للخدمات الأساسيّة، والذي تتحمّل الجهات الرسميّة مسؤوليته، إضافةً إلى تفضيل أبناء/بنات المجتمع المضيف على الضّيف فيما يتعلق بالتّوظيف.

تعزيز العلاقة بين المجتمع المضيف والضيف بشمال شرقي سوريا بحاجة لجهود كبيرة

“بعد أن نزحتُ من حلب إلى قامشلي، عايشت مخاوفاً كثيرة، وظننتُ أن الانعزال هو الحل الأمثل حتى أحافظ على ثقافتي وهويتي، لكن تلك المخاوف تبددت عند مبادرة جارة لي لرعايتي بعد تعرّضي لظرفٍ صحي.” تقول فاطمة عثمان (59 عاماً) التي نزحت من حلب واستقرت في مدينة قامشلي من العام 2020.

وتشير فاطمة إلى ضرورة فهم الأفراد من مختلف المجتمعات السورية، للفوارق الثقافية، والتحفظات المجتمعية في مناطق إقامتهم/نّ، ولا يقتصر الأمر على الفهم، بل يجب تقبّل الاختلاف، واعتباره أساساً لنجاح العلاقة فيما بينهم/نّ، بحسب فاطمة.

إلى جانب الحالات الإيجابية التي شكّلت جسراً لزيادة الاندماج بين المجتمَعَين، يعاني المجتمع الضيف من الكثير من التحديات التي تشكّل عائقاً أمام تحقيق الاستقرار لديهم/نّ. أحمد يوسف (36 عاماً)، مهجّر من مدينة عفرين، ومقيم في مدينة حسكة، يقول إن أبرز التحديات التي تواجهه، تكمن في صعوبة الحصول على فرص العمل، إلى جانب تعرّضهم/نّ للاستغلال من قبل البعض فيما يتعلق برفع أسعار أجرة المنازل. 

“إن التحديات التي نواجهها كنازحين ومهجّرين، تؤثّر على استقرارنا الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يؤثّر بدوره على تكيّفنا بشكلٍ فعّال مع المجتمع الجديد.” يقول أحمد. 

ويتشارك المجتمَعَين في مواجهة بعض التحديات من قبيل غلاء أجار المنازل، حيث يقول علي أحمد (33 عاماً) من أهالي مدينة قامشلي أنه كان يدفع مبلغ 200 ألف ليرة سورية (ما يعادل 14 دولار أمريكي)، إلا أن مالك المنزل قد طالب بمبلغ مليون وأربعمائة ألف ليرة سورية (ما يعادل 100 دولار أمريكي)، مشيراً إلى أن أجرة المنازل تبدأ من 725 ألف ليرة سورية (ما يعادل 50 دولار أمريكي)، ويعود سبب هذا الارتفاع في الأسعار إلى احتكار أصحاب المنازل لحاجة النازحين/ات للاستقرار. 

وعن مواجهة بعض التحديات المتعلقة بتبنّي قيم وعادات جديدة داخل البيئة الجديدة للمجتمع الضيف، تقول جميلة حمو (32 عاماً) المهجّرة من مدينة سري كانيه/ رأس العين، والتي استقرت في مدينة الرقة منذ ثلاث سنوات، إن بناء التماسك المجتمعي القوي والمستدام، يعتمد على مدى استعداد وجهوزية الأفراد من المجتمعات المختلفة على تقبّل ثقافات بعضهم/نّ البعض، إلى جانب الابتعاد عن التحيّز والتمييز. 

“إن محطة الاستقرار الأخيرة تختلف كثيراً عن البيئة التي ترعرعت فيها، إلا أنني رغبت بارتداء الحجاب، احتراماً لثقافة وقيم أهل المنطقة التي أقيم بها في الوقت الحالي.” تقول جميلة، وتضيف أن تفاعل الأفراد في بناء بيئة مشتركة، وكسر الحواجز، وتقبّل الاختلاف والتنوّع، أهم السبل للوصول إلى علاقة سليمة بين المجتمَعَين. 

“جمعتني علاقة شراكة مع أحد أبناء مدينة قامشلي، تمكنت من خلالها استثمار ما أملك في تجارة السيارات، وأعتبر نفسي محظوظاً بالوسط الداعم لمشاريعي، بعد جملة من التحديات التي تغلبت عليها مع مرور الوقت.” يقول جوان علي المهندس الزراعي وتاجر السيارات المنحدر من مدينة عفرين، والمقيم في مدينة قامشلي. 

وفي الجلسة ذاتها التي عقدتها منظمة نيكستيب، فقد تبيّن أن أهم التحدّيات التي تواجه عملية الاندماج، هي صعوبة الحصول على المسكن، ما يشكّل عائقاً أمام تحقيق الاستقرار والاندماج، إضافةً إلى اختلاف اللغات والثّقافات والعادات والتقاليد بين المجتمَعَين في بعض الحالات، واستغلال البعض اسم النازحين/ات في التسوّل، واعتبارهم/ن مسؤولين/ات عن تراجع الوضع الاقتصادي بالمنطقة، الأمر الذي شكّلَ صوراً نمطيّة مغلوطة بحقّهم/ن/ وأثّرت بشكل سلبي على الاندماج بين المجتمَعَين.

تعزيز التواصل بين المجتمع الضيف والمضيف وتحقيق التكافؤ في الفرص .. حلول ناجعة 

إن تعزيز العلاقة بين المجتمع الضيف والمضيف، مسؤولية تشترك فيها جهات عدّة، بحسب ما يراه عمر محمد، الذي عمل عضواً سابقاً في رابطة عفرين الاجتماعية (وهي رابطة معنية بشؤون أهالي منطقة عفرين في مناطق إقامتهم/نّ بعد نزوحهم/نّ)، ويشير عمر إلى أنه من الضروري أن تتوفر فرص عمل بالتكافؤ للمجتمَعَين، إلى جانب سبل حل مشكلة  استغلال حاجة النازحين/ات إلى المنازل للاستقرار من قبل الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية. 

من جهتها، ترى رهف يوسف (27 عاماً) الناشطة الإعلامية في منظمة بيل والمنحدرة من مدينة حمص والمقيمة في مدينة قامشلي، أن المجتمع الضيف طاقات لا بد من استثمارها للمساهمة في تنمية المجتمع، لذا فمن الضروري خلق المساحات لإيصال أصواتهم/نّ، والفرص المناسبة لزيادة تفاعلهم/نّ مع القضايا المجتمعية المختلفة من خلال الأنشطة المختلفة لمنظمات المجتمع المدني. 

“سبق لنا أن شاركنا في الكثير من جلسات الحوار حول أوضاع النازحين/ات وكيفية إدماجهم/نّ، واللافت تقبّل الآراء المختلفة من قبل أفراد من المجتمَعَين، وذلك ما يجب استثماره خلال الفترة القادمة.” يقول دمهات ابراهيم (28 عاماً) العضو في جمعية ليلون للضحايا (وهي جهة معنية بمناصرة الضحايا، وتوثيق الانتهاكات في عفرين).

ويشير دمهات إلى أن توفير مساحات الحوار بين المجتمَعَين من أهم السبل لتسليط الضوء على معاناة الضيف، والوصول إلى توصيات من شأنها تحقيق الاندماج الحقيقي بينهما، بما يعزز الوصول إلى حالة من التماسك المجتمعي في المنطقة، كما أنه وبحسب دمهات، يجب العمل على تنفيذ مشاريع سبل العيش بما يحقق مبدأ التكافؤ في الفرص لأبناء وبنات المجتمَعَين معاً. 

أما أحمد عثمان (41 عاماً) وهو مدرب تنمية بشرية في إحدى المنظمات العاملة في مدينة الطبقة، يرى أن التماسك المجتمعي بين النازحين/ات وأفراد المجتمعات المضيفة، فإنه يتم بتعزيز العدالة الاجتماعية، وتوفير فرص متساوية للجميع. مضيفاً إلى ذلك تأثير الورشات والجلسات المركزة التي ترفع من وعي الأهالي حول تعزيز التماسك المجتمعي والتفاهم بين أفراد المجتمع.

ختاماً، يمكن أن يؤدي الاندماج الفعّال والتماسك المجتمعي إلى تحسين جودة الحياة والتفاعل الإيجابي في المجتمعات المتنوعة، إلى جانب توطيد أواصر العلاقات من خلال التعاون والتفاهم بين الأفراد والمجموعات المختلفة، والذي يساهم في تقليل الانقسامات والصراعات الداخلية وزيادة الشعور بالانتماء والهوية المشتركة، وتعزيز الاستقرار والتنمية في المجتمع.

تم إنتاج هذه المادة في إطار مشروع “معاً أقوى” الذي تنفذه منظمة نيكستيب، والذي يهدف للمساهمة في تعزيز التماسك المجتمعي بين مجتمعات شمال شرقي سوريا.