الفئة الشابة الأكثر جرأة وقدرة على التغيير .. لكن غائبين/ات عن الفضاء العام

“يلعب الإعلام دوراً هاماً في توجيه المجتمع والتأثير عليه، وتكوين رأي عام حول مختلف القضايا المجتمعية، لذا فإنه من الضروري إشراك الفئة الشابة في العمل الإعلامي،” تقول ريشان رمضان إحدى ساكنات مدينة قامشلي، مضيفةً أن مشاركة الفئة الشابة في الفضاء الإعلامي سيساهم بشكل كبير في في تسليط الضوء على قضاياها، التي تعتبرها غائبة عن المشهد الإعلامي، وإن وجدت فإنه يتم تغطيتها بطريقة تقليدية لا تؤثر في تغيير مسارها. 

وتتابع ريشان بأن الكثير من قضايا الفئة الشابة، حالها حال بقية قضايا المجتمع، لا تحظى بالتغطية الإعلامية المطلوبة غالباً، إلا في حالة تحوّلها إلى قضية رأي عام و”ترند” على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً ما يتم التركيز على قضيةٍ بعينها، كما حدث مؤخراً في حادثة “فتاة تل السمن“، “جميعنا يدرك بأن العنف ضد المرأة لن ينتهي مع حل تلك القضية، وهذا ما يقلل ثقتنا كفئة شابة بدور الإعلام كعامل حقيقي يدفع نحو الحلول الجذرية للقضايا العامة.” تقول ريشان وتشير إلى ضرورة التعامل مع قضايا الشباب والشابات بجدية، مثل تخفيف توجه الشباب/الشابات للهجرة المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، ومع غياب الدعم لهم/نّ في كافة المجالات ستتحول سوريا ومناطق شمال شرقي سوريا بشكل خاص إلى منطقةٍ عجوز، بحسب رأي ريشان.

وفي تقرير “حالة سكّان سوريا” الرابع، الذي أعدّته “الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان” في العام 2022، فقد تبيّن أن وجود الفئة الشابة من الفئة العمرية (15 إلى 49 سنة) قد انخفضت بشكل ملحوظ نتيجة الهجرة والوفيّات. 

غياب الدعم أحد أبرز التحديات التي تواجه إدماج الشباب في الفضاء العام

يصف محمد علي القاطن في مدينة قامشلي، مشاركة الفئة الشابة في منظمات المجتمع المدني بـ “الفاعلة” سواءً أكان من خلال تنفيذ المشاريع أو إبداء الرأي، إلا أنهم/نّ – حتّى الآن – ليسوا/ن طرفاً أساسياً في عملية صنع القرار. 

“إن إشراك الفئة الشابة في منظمات المجتمع المدني، ضرورةً وتحدّي، نظراً لكونهم يشكّلون الطاقة اللازمة للتغيير المجتمعي، إلا أن قلة فرص التمويل والعمل، أبرز التحديات التي تواجه إدماج هذه الفئة في الفضاء العام ككل،” يقول الناشط المدني حسن شعيب، ويكمل أن التحديات تكمن أيضاً في الافتقاد إلى عملية التفكير الجمعي، لذا فمن المهم أن تُتاح الفرص أمام مشاركة الفئة الشابة في مساحات الحوار بمختلف قضاياه، وعلى الجهات المعنية الاستماع إلى وجهات نظرهم/نّ، وتنظيم أدوارهم/نّ في عمليات تقييم فعالة للاحتياجات. 

ولا تقتصر تحديات إشراك الشباب/الشابات في عمل منظمات المجتمع المدني فقط، حيث تشهد وسائل الإعلام من جانبها تحدياتً عدة فيما يتعلق بإشراك الفئة الشابة في الفضاء العام، وبحسب سردار ملا درويش، المدير العام لشبكة آسو الإخبارية (وهي شبكة إعلام محلية، تنشط في مناطق شمال شرقي سوريا)، فإن التحدي الأكبر يكمن في غياب الدعم اللازم للإعلام المستقل، الأمر الذي يقوّض من جهود الإعلام في تسليط الضوء على الكثير من القطاعات والفئات المجتمعية، ولعل الفئة الشابة أبرزها. 

ويضيف سردار أن غياب الصحافة التخصصية أيضاً يؤثّر على هذه القضية، حيث يُلاحظ حالة من عدم القدرة على التمييز بين الإعلام المحلي، والوطني، والإقليمي، والدولي، وأن وجود الصحافة التخصصية من شأنه زيادة تأثير عمل الإعلام المحلي، الذي يلعب دوراً هاماً في تسليط الضوء على قضايا مجتمعية مختلفة، كما أن هامش حرية العمل الصحفي أيضاً ليس بالقدر الكافي الذي يسمح بالعمل على قضايا الفئات المجتمع، ويعتبر أن قضايا الفئة الشابة من أبرز القضايا التي تحتاج لتركيز وجهد إعلامي، بل واستقصائي في سبيل تسليط الضوء عليها لتغيير مسارها نحو إيجاد الحلول لها. 

في استبيانٍ أجرته منظمة نيكستيب في العام 2023، وقد استهدفت فيه 800 شاب/ة من مناطق مختلفة بشمال شرقي سوريا، فقد تبيّن أن 51,7% من المبحوثين/ات لا يمتلكون/ن الفرص المناسبة للمشاركة في الأنشطة المجتمعية. 

وفي الوقت نفسه، فقد أجاب/ت 80,9% من المبحوثين/ات في الاستبيان ذاته، أن لديهم/نّ الرغبة في لعب دور قيادي ومؤثر في مجتمعاتهم/نّ. 

وجود سياسات وخطط استراتيجية هو الحل لإشراك فعال للشباب في الفضاء العام

“إن غياب الفئة الشابة عن مجالات العمل، ومن ضمنها الفضاء العام، مؤشّر لتفكك مجتمعي قادم، حيث يدفع بهم الأمر للتوجه إلى سلوكيات مضرّة بهم وبالمجتمع في آنٍ معاً،” يقول حسن شعيب ويؤكد أن وجود منظمات المجتمع المدني فرصةً كبيرة للحفاظ على الموارد والكفاءات والطاقات الشبابية. 

ويضيف حسن أنه من الضروري استثمار هذه الطاقات على اعتبار الشباب والشابات هم/نّ الأكثر جرأة وقدرة على إحداث التغيير، لذا من الضروري وجود استراتيجيات واضحة لدى منظمات المجتمع المدني، لإشراك الفئة الشابة وبناء الثقة معهم/نّ، لتعزيز دورهم/نّ في عمليات التنمية، وذلك من خلال العمل على تمكينهم/نّ بالمهارات والأدوات والمعارف والخبرات في المجالات كافةً، سواءً أكان في الحوكمة أو السياسة أو أي مجالٍ آخر، لضمان وجود بنية تحتية تمكّنهم/نّ من إحداث التغيير. 

من جهته، يرى سردار ملا درويش أن العديد من المؤسسات والوسائل الإعلامية العاملة في المنطقة، تدعم قضايا الفئة الشابة، لكن من الضروري أن تسعى هذه الفئة بشكل أكبر إلى إبراز صوتها عبر الإعلام، فلا يمكن تحقيق تغطية عادلة لقضاياها دون جهد من قبل الطرفين، ويشير سردار أن شبكة آسو تعمل بطاقات وجهود شبابية، وتبذل الجهد لاستقطاب عدد أكبر منهم/نّ والعمل على بناء قدراتهم/نّ ودعمهم/نّ.

في الجانب السياسي، يرى بسام (اسم مستعار لشاب من مدينة دير الزور)، أن الظروف الاقتصادية السيئة، تدفع بالشباب والشابات للتركيز على البحث عن سبل العيش وتأمين الاحتياجات الأساسية، الأمر الذي يقلّص من المساحات المتاحة لديهم/نّ من الوقت والاهتمام بالبحث والعمل في الشأن السياسي.

ويشير بسام الذي رفض الكشف عن اسمه نظراً لحساسية القضية المطروحة من وجهة نظره، أنه وبعد مرور سنوات “طويلة” على الحرب السورية المستمرة للآن، فإن الشباب والشابات في سوريا فقدوا/ن الأمل في تحقيق تطلعاتهم/نّ، والأمل في أي تغيير في الواقع السياسي، كل ذلك في ظل افتقار المنطقة لتجربة وخبرة كافية في العمل السياسي، الأمر الذي ينعكس سلباً على قدرة الشباب والشابات على المشاركة الفعالة في الشأن السياسي. 

في سياقٍ متصل، يقول سلمان النبهان المسؤول في “الإدارة العامة للمنظمات الشبابية في إقليم الجزيرة”، إن الهيئة تعمل على تشجيع إشراك الفئة الشابة في المجال السياسي، وتفعيل دورهم/نّ في المجتمع، ولك عبر إتاحة الفرص لانخراطهم/نّ في مجلس شباب سوريا الديمقراطية (تأسس المجلس في العام 2017، ومركزه الرئيسي في مدينة الحسكة وله فروع في مناطق شمال شرقي سوريا)، حيث يشكّل هذا المجلس الصيوان السياسي للشباب والشابات في المنطقة، بحسب سلمان، الذي يؤكد أن المجلس له دور فعال ومشاركات على الصعيد الدولي والإقليمي في مجال العمل الشبابي السياسي، ويشير إلى أن المجلس التشريعي أيضاً يتيح الفرصة للشباب من خلال وجود لجنة خاصة بهم/نّ، كما أنه لهم/نّ الدور في التصويت على القرارات، وكذلك توجد لجان للشباب والشابات في النواحي والمجالس المحلية في المنطقة. 

في الاستبيان ذاته، الذي نفذته منظمة نيكستيب، تبيّن أن 84,1% من الشباب والشابات ممن تم استهدافهم/نّ، يعتبرون/ن أنفسهم/نّ مؤهلين/ات لقيادة تغيير شمال شرقي سوريا نحو الأفضل. 

لذا فإن الإشراك الفعّال للفئة الشابة في الفضاء العام، سواءً أكان في عمل منظمات المجتمع المدني، أو الإعلام، أو الشأن السياسي، يحتاج إلى وجود خطط استراتيجية وسياسات تضمن تأهيل وتمكين هذه الفئة بالمهارات اللازمة، واستثمار طاقاتها ورغبتها في المشاركة، بما يضمن استخدام هذه الطاقات والموارد في إحداث التغيير الذي يفضي بدوره إلى تحقيق التنمية المستدامة في مجتمعات شمال شرقي سوريا.