سولنار محمد – نيكستوري
بحلول السادسة صباحاً من كل يوم، تستعد عبير الدندل (فتاة ثلاثينية من ريف بلدة تل كوجر/ اليعربية) للخروج من قريتها “الجنيدية” وصولاً إلى الطريق العام المؤدي إلى بلدة تل كوجر/ اليعربية، وتقطع مسافةً لا تقل عن (18) كيلومتراً للوصول إلى مكان عملها في مركز “مساحات آمنة للنساء والفتيات”، حيث تعمل فيه كمسؤولة وقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتشرف على الفرق الجوّالة التي تقوم بتنفيذ أنشطة توعوية في الأرياف.
تمكّنت عبير من العودة إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاعٍ دام عشر سنوات، نتيجة الحرب الدائرة في سوريا، حيث تكمل الآن تحصيلها العلمي في السنة الثالثة من قسم علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مشيرةً إلى أنّها تحدّت كل الظروف لتحقق هدفها في الحياة بأن تصبح فتاةً مؤثّرة في مجتمعها.
“لم تتمكّن العادات والتقاليد منّي، وأنا اليوم أول فتاةٍ تُكمِل تعليمها في قريتنا النائية، بل وبدأتُ العمل خارجها أيضاً” تقول عبير لـ نيكستوري.
ليست كل التجارب الشبابية مكلّلة بالنجاح
تُعتبر عبير نموذجاً للشابات والشبّان ممن استطعن/استطاعوا أن ينشطن/وا في مجتمعاتهن/م، رغم وجود العديد من التحدّيات التي تقف عائقاً أمامهم/نّ في المنطقة بشكل عام، وفي الأرياف بشكل خاص، لكن وفي المقابل، تعاني العديد من الشابات في الأرياف من تقييدٍ حريّاتهنّ وحرمانهنّ من إتمام التعليم، وصولاً إلى تزويجهنّ في سنّ مبكّرة، على حد قول عبير.
ولا يقتصر التهميش والإقصاء على الشابات فقط، حيث يعاني الشبّان أيضاً من جملةٍ من التحديات فيما يتعلّق بتفعيل دورهم في المجتمع، حيث يلخّص أكرم محمود (شاب عشريني من ريف مدينة ديريك/ المالكية) معاناته وأبناء/بنات جيله ممن يعيشون/ن في الأرياف على وجه الخصوص، بقوله:
“أشعر بالنقص، وأعيش صراعاً داخليّاً، فأنا أملك طاقة كبيرة، ولَدَيّ الكثير لأقدّمه للمجتمع، ولكن لا أجد الفرصة والدعم الكافيَين لإثبات قدراتي وتحقيق رغبتي في أن أكون شخصاً فاعلاً في المجتمع الذي أنتمي إليه”.
ويصف أكرم الفئة الشابّة في الأرياف بالـ”مهمّشة”، حيث يواجهون/ن تحدّياتٍ كثيرة في مقدّمتها قلّة توفّر فرص العمل، وغياب المشاريع الشبابية والأنشطة القائمة على التوعية، إلى جانب صعوبة التنقّل بين الريف والمدينة بسبب قلّة توفّر المواصلات، لذا فإن عمل الشباب والشابات في الريف يقتصر على الأعمال الزراعية الموسمية، ونتيجةً لذلك باتت الهجرة خياراً لدى معظم أولئك الشباب/الشابات، على حد قوله.
من جانبه، يؤكّد الناشط المدني أسامة أحمد لـ نيكستوري، أنه في ظل غياب المشاريع التي تستهدف الفئة الشابة، فقد يترتب على الأمر تأثيرات سلبية جمّة، منها تحوّل هذه الفئة إلى الأكثر عرضة للانخراط ضمن صفوف الجماعات المتطرفة، أو تبنّي سلوكيات غير سليمة في المجتمع.
ويقول أسامة إنه لا تصل نسبة مشاركة الشباب/الشابات في غالبية المشاريع إلى 10% في المدن و5% في الأرياف، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ أحد الاحتياجات الرئيسية للفئة الشابة هو تقدير الذات بنسبةٍ أكبر من الحاجة إلى تحسين الواقع الاقتصادي، إذ لا زالت هناك نظرة نمطية مغلوطة حول عدم اكتراث الفئة الشابة بالمواضيع الحسّاسة التي تهم المجتمع.
على الرغم من كافّة التحديات التي تواجهها، فإن حليمة عتو (شابة عشرينية من ريف مدينة ديريك/المالكية) تمكّنت من تجاوز البعض منها، عبر بذلها جهداً ذاتياً محاطاً بدعمٍ من عائلتها، في بناء قدراتها في مجال التصوير الفوتوغرافي، حيث تمكّنت من المشاركة في معرضٍ للصور الفوتوغرافية أقيم في مدينة عامودا، إلا أن صعوبة تأمين المواصلات حال دون وجودها في المعرض بشكلٍ فيزيائي.
“كلّ ما أحلم به أن أتمكّن يوماً من المشاركة في أحد المعارض الكبرى للصور الفوتوغرافية، إنني اليوم في أوج شبابي، ولدي الرغبة والطموح في التأثير والفاعلية في المجتمع؛ كل ما أحتاجه هو الدعم الكافي من محيطي الاجتماعي”، تقول حليمة لـ نيكستوري.
غيابٌ شبه تام لمنظّمات المجتمع المدني والإعلام في الأرياف
إنّ عمل غالبية منظّمات المجتمع المدني مقتصر على المدن الكبيرة، أمّا المدن الأصغر، بالإضافة إلى الأرياف، فإنها شبه غائبة فيها، وإن وُجِدَت فإنها تقتصر على معالجة قضايا معيّنة دون الالتفات إلى تلك الخاصة بالفئة الشابة، يقول أكرم.
ويُرجِع أسامة السبب في ذلك إلى ضعف قدرات منظّمات المجتمع المدني المحلية في الحشد لقضايا الفئة الشابّة، إضافةً إلى ضعف الخبرات فيما يخص التواصل مع الشباب والشابات، إلى جانب عدم الاستثمار الأمثل للتطوّر التقني في الوصول إلى الجمهور الشاب.
ويضيف أسامة إنه من جملة الأسباب أيضاً، غياب فرص التمويل الكافية لتنفيذ مشاريع تخص قضايا الفئة الشابة، بالإضافة إلى اختيار فئة مستهدفة محددة من مجتمعات المدن، في ظل إهمال كبير وواضح للمستهدفين/ات في الأرياف.
وعن دور الإعلام في طرح قضايا الفئة الشابة، تقول حليمة إن وسائل الإعلام تتجه نحو القضايا المجتمعية والخدمية، في ظل غياب شبه تام لمحتوى إعلامي يعالج قضايا الشباب والشابات وخاصّة في الريف، وتؤكّد أنه حتى الآن، تغيب ثقة المجتمع بقدرات الفئة الشابة في إحداث وقيادة التغيير، على الرغم من أنها الفئة الأكثر تقبّلاً للتغيير، لكن تهميش قضاياهم/نّ وآرائهم/نّ هو سبب رئيسي في ضعف الثقة بهم/نّ.
من جهتها، تقول ماريا حنا (مديرة إذاعة سورويو في مدينة قامشلي) لـ نيكستوري، إنه بالفعل لا يتم طرح القضايا الشبابية بالشكل المطلوب في وسائل الإعلام المحلية النشطة في المنطقة، إلا أنها تنفي التغييب التام لهذه القضايا من المحتوى الإعلامي المقدّم في المنطقة.
وتُرجع ماريا سبب ضعف التغطية الإعلامية للقضايا الشبابية إلى السياق العام للمنطقة، والتي تعيش حالةً من النزاع، فرضت على السياسة التحريرية وسياسة النشر، محتوىً إعلامياً يتناسب مع السياق المحلي، وذلك ما يؤدي إلى وجود تقصير في طرح قضايا تخص الفئة الشابة، دون تقصّد إنما هو أمرٌ مرتبط بالحالة العامة في المنطقة، من وجهة نظرها.
التوعية بقدرات الشباب والشابات.. حلّ لإعادة بناء الثقة بهم/نّ
إن تمثيل الفئة الشابة والعمل على تفعيل دورها في المجتمع، أمر يقع بنسبةٍ كبيرة على عاتق منظّمات المجتمع المدني، وذلك عبر الحاجة إلى تنفيذ مشاريع تقوم على رفع الوعي وتمكين وبناء القدرات لمختلف الفعاليات المجتمعية في الأرياف، متضمّنةً تأهيل الشباب والشابات فيها لإتمام المهمّة بعد انتهاء هذه المشاريع، وذلك عبر دعم المشاريع الصغيرة من قبلهم/نّ، بحسب وجهة نظر أكرم.
وفي سياقٍ متصل، يرى أسامة أنه من الضروري أن تقوم منظّمات المجتمع المدني بالضغط على الجهات المانحة، بهدف وضعها في سياق المنطقة، وخاصة السياق الذي تعيش به الفئة الشابة، ويشير أسامة إلى أن الحل يمكن في تغيير نمطية التفكير لدى هذه المنظمات، وألا يقتصر تأسيس مراكزها على المدن، إنّما من الضروري وجود مراكز لها في الأرياف، حتى تبقى على تماسٍ مباشر مع المجتمعات الريفية، بما يضمن زيادة الوصول إلى الفئة الشابة في هذه المجتمعات.
بينما تشير عبير إلى أنّها تقوم من خلال عملها على رفع الوعي لدى مختلف الفعاليات المجتمعية، بضرورة إكمال الفتيات للتحصيل العلمي في الريف، في إشارةٍ منها إلى أنّ هذه القضية تعتبر من القضايا الملحّة التي يجب تكثيف الجهود لمعالجتها.
“تمكّنتُ من خلال تنفيذ بعض نشاطات محو الأمية، من إعادة عدد من النساء والفتيات في الريف إلى الدراسة، وحصلنَ على الشهادة الثانوية، كما أن البعض منهنّ استطعن الوصول إلى فرص عملٍ أيضاً”، تقول عبير.
تقتضي الضرورة الالتفات لقضايا الفئة الشابة، وطرحها من قبل الإعلام والمجتمع المدني، بهدف تغيير مسارها نحو إيجاد حلول فعلية لها، ، حيث يمكن للشباب والشابات أن يشكّلوا/ن قوّة إيجابية لدفع عجلة التنمية عند تزويدهم/ن بالمعرفة والفرص التي يحتاجون/ن إليها، ويبقى تفعيل دور الإعلام الإنمائي خطوةً نحو إعادة تسليط الضوء على الكثير من القضايا التنموية، وخاصّة الشبابية منها، لتكون عاملاً في الوصول لإشراك الشباب/الشابات في عملية صياغة المستقبل، بما يحقق أحد أهداف التنمية المستدامة.