نيكستوري – زوزان حسن
“المجنون فقط من يحتاج لدعم نفسي” بهذه الجملة اختصرت هوري كالوست من ساكنات مدينة قامشلي لـ نيكستوري، نظرة الغالبية من مجتمعات شمال شرقي سوريا للصحّة النفسية، وتقول إنّها تشعر بالحاجة الماسّة إلى الدعم النفسي، إلى جانب الكثيرين/ات من محيطها المجتمعي، إلّا أنّ العوائق أمام الوصول إلى هذا الدعم كثيرة، بدءاً من نظرة المجتمع للأمر، وليس انتهاءً بضعف الثقة بمراكز الدعم النفسي، سواء من ناحية توفّر الخبرات والكفاءات، أو من ناحية الالتزام بالحفاظ على سريّة وخصوصيّة المراجعين/ات لهذه المراكز، حيث تعتبر هوري أن تناقل الخبر بخضوع شخص ما لمعالجة نفسيّة بين أبناء/بنات المجتمع في الوقت الحالي، من شأنه أن يفاقم المشكلة بدلاً من حلّها.
وبحسب إحصائيّة تعود إلى منظّمة الصحّة العالميّة، كانت قد أصدرتها في العام 2018، فإنه من بين كل 30 شخص سوري/ة، يوجد شخص واحد ي/تعاني من حالات نفسيّة متفاقمة، من قبيل الاكتئاب الوخيم أو الذّهان أو أي شكل آخر مسبّب للإعاقة، من أشكال القلق.
كما أنّ واحداً/ة من بين كل 5 سوريّين/ات ي/تعاني من حالات نفسيّة متوسّطة إلى معتدلة، من قبيل الاكتئاب المتوسّط إلى المعتدل، أو اضطرابات ناجمة عن القلق.
وفي العام نفسه، وعبر تصريحٍ لـ رمضان أحفوري وزير الصحّة السوريّة لوسائل إعلام رسميّة، فقد تبيّن أنّه هناك مليون سوري/ة على الأقل، بحاجة إلى مراجعة طبيب/ة نفسي/ة، في ظل وجود 73 طبيب/ة نفسي/ة في سوريا في العام 2018.
الحاجة لعلاجٍ نفسي هي وصمٌ بالنظرة المجتمعيّة
تصف سيماف يوسف من ساكنات مدينة قامشلي، الفكرة الشائعة حول الدعم النفسي أنّه مُقتَصَر على الاستماع إلى المعاناة، وعلى هذا الأساس فإن الغالبيّة يلجأون/ن إلى أفراد العائلة أو الأصدقاء/الصديقات باعتبارهم/نّ مصدراً أكبر للثقة.
لذا فإن الأمر يستدعي الحاجة إلى رفع الوعي المجتمعي من قِبل المختصّين/ات بالصحّة النفسيّة، عبر التعريف بدورهم/نّ في هذا المجال، بهدف تصحيح الأفكار المغلوطة والتي يستند إليها غالبية الناس في معالجة مشاكلهم/نّ النفسيّة في الوقت الذي تستدعي هذه المشاكل تدخّلاً من قبل أخصّائيين/ات، بحسب سيماف.
وتضيف “ستكون الإجابة بـ نعم، إن كنا سنجيب بوضوح دون خوف من الوصم الاجتماعي الذي سيلحق بنا، إذا ما تم سؤالنا عن الحاجة للدعم أو العلاج النفسي”.
من جانبه، يصف ريناس حسين من أهالي مدينة حسكة، نظرة المجتمع للشخص الذي/التي ي/تحتاج للدعم النفسي، بأنه يتم اعتباره/ها “مختلّاً/ةً نفسيّاً”، وذلك ما يترتب عليه سلوكيّات سلبية على حد وصفه، من قبيل التعامل معه/ها بشكل محدود وسلبي بما فيه من تمييز واستبعاد مجتمعي.
أما الطبيب ماجد فهيم (الأخصّائي في الطب النفسي) يرى أنّه لا يزال هناك شعور بالخوف أو الحرج من الحديث حول أي اضطراب متعلق بالصحة النفسية نتيجة وصم العار الذي يلاحق كل ما يتعلق بالصحة النفسية، ومن هنا يأتي دور المؤسسات الصحية ووسائل الإعلام في نشر الوعي حول أهمية الصحة النفسية ومدى انعكاسها وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة.
إن عقد الندوات والمحاضرات حول أهمية الصحّة النفسية، ستساهم حتماً في رفع الوعي بأهمية الصحّة النفسية، والتعامل مع اضطراباتها تماماً كما يتم التعامل مع الاضطرابات الجسدية، وذلك ما يستدعي بذل الجهود في تعزيز دور الكوادر التخصصية والمرشدين/ات النفسيين/ات داخل المدارس والمؤسسات الحكومية وغيرها، حسب وجهة نظر ماجد.
الراحة النفسيّة ضرورةٌ صعبة المنال في شمال شرق سوريا
تأتي أهميّة الصحّة النفسيّة من دورها في تعزيز التواصل الاجتماعي لدى الشخص، ما يؤدّي إلى رفع القدرة على مواجهة التحدّيات الحياتية، كما أنها ذات تناسبٍ طردي مع العافية الجسدية، فكلّما زادت الضغوطات النفسية على الشخص، قلّت معها الطاقة الإنتاجية، وما يترتب عليه من آلام جسدية، وذلك وفق ما يوضحه هيثم بوزو، الذي يعمل معالجاً نفسياً في مؤسّسة جيان لحقوق الإنسان.
وفي سياق متّصل، يوضّح الطبيب ماجد أن معاناة أي شخص من الضغوط أو إصابته/ها بأي اضطراب نفسي، يجعله/ها أكثر عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض الجسدية من قبيل أمراض الضغط والسكر والاضطرابات الهضمية، إلى جانب إضعاف مناعة الجسد.
كما نوّه ماجد إلى أن الكثير من الأفكار الشائعة عن الصحة النفسية والتداوي منها، هي أفكار مغلوطة ينعكس أثرها سلباً على الوعي المجتمعي بالصحة النفسية، ويشير إلى أن الأدوية المستعملة في العلاج النفسي كغيرها من الأدوية التي تملك استطباباتٍ محدّدة، وآثار جانبية ي/تعرفها الطبيب/ة المختص/ة، كما أنها لا تسبّب الإدمان، كما هو شائع.
من جهته، يضيف ريناس أنّه لا يمكن تجاهل أهمية وضرورة الرّاحة النفسية في ظل الظروف المُعاشة في المنطقة، من فقدان مقوّمات الحياة، والظروف الاقتصادية السيئة التي تعصف بالمنطقة، لذا فإنّه من الضروري تكثيف الجهود لزيادة المراكز المختصّة بتقديم الدعم النفسي، فإنّ الصحّة النفسية توازي بقيّة قطاعات الحياة أهميّة، بهدف ضمان الإنتاجيّة واستمرار الحياة بمختلف جوانبها.
زيادة الإقبال على طلب الدعم النفسي .. فسحة أمل نحو التغيير
توضّح زينة العلي (التي تعمل كأخصّائيّة نفسيّة) أن المركز الطبي الذي تعمل به، يستقبل حالاتٍ تعاني أكثرها من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، فيما ذكر هيثم أن مركز جيان لحقوق الإنسان، استقبل 437 من النساء، و136 من الرجال، و302 من الأطفال/الطفلات منذ العام 2020، حيث خضعوا/ن لـ 3203 جلسات علاج، تهدف في غالبيتها إلى معالجة القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة إلى جانب الوسواس القهري.
من جانب آخر يضيف ماجد “من خلال عملي كمختص نفسي منذ ٩ سنوات تقريباً، بات من الملاحظ زيادة نسبة الإقبال على طلب العلاج النفسي، كما أنه لم يعد يشترط المراجعون سريّة العلاج كما في السابق، فقد صادفتني سابقاً حالات كثيرة، كانت بمجرد دخولها إلى العيادة، تطلب إغلاق باب العيادة الخارجي خوفاً من أن يلحق بهم العار”.
وفي آب/أغسطس العام 2020، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، منصة الدعم النفسي والاجتماعي عبر الإنترنت حملت اسم “فضفضة “، وتتيح الدعم من خلال وسائل الاتصال الافتراضية بشكل يضمن السرية، بحيث يمكن للأفراد التواصل دون الكشف عن هوياتهم/نّ ومن ثم تعيين أخصائي/ة للاتصال ومتابعة الحالة مجاناً، عبر وسائل اتصال وأوقات مناسبة لهم/نّ.