إنّها ليست المرّة الأولى، بل بات أمراً اعتياديّاً أن تسمع حلوة أحمد (إحدى ساكنات مدينة حسكة شمال شرق سوريا)، في الحي الذي تقطنه، طفلين يقومان بتوجيه الشتائم لبعضهما، ولا يقتصر الأمر على إطلاق الشتيمة، بل إنّها تضمّنت في محتواها كلماتٍ جنسيّة موجّهة لنساء عائلتَيهما، أمّا الأمر الذي اعتبرته حلوة سلوكاً جديداً لدى أطفال/طفلات الحي، هو الحِلفان بشرف الأم أو الأخت، في تصرّفٍ أشعرَها بالصّدمة من أولئك الأطفال/الطفلات.
أمّا هيفا إبراهيم (المرأة الأربعينيّة القاطنة في مدينة ديريك/ المالكية)، تقول لـ نيكستوري إنّ إطلاق الشتيمة الموجّهة للنساء أثناء أيّ حديثٍ بين شخصين، يحدث بغرض المزاح في غالب الأحيان، ويتم اعتباره أمراً طبيعياً، ويوافقها الرأي صبري عبد الله أحد قاطني المدينة ذاتها، إلّا أنّه شهِد حالاتٍ عدّة كان فيها إطلاق شتيمة جنسيّة موجّهة للنساء سبباً لنشوب عراك يصل إلى التشابك بالأيدي، والضرب.
تنتشر عادة الشّتم في المجتمعات المختلفة على تفاوت تطوّرها وتقدّمها ونظرتها للمرأة، بحسب ما توضّحه سمر الصاري لـ نيكستوري، (التي تعمل كمعيدة مدرّسة في معهد العلاج النفسي السلوكي التابع لجامعة غوته في فرانكفورت بألمانيا)، وتشير سمر إلى أنّ الكثير من الثقافات والمجتمعات المتحضّرة التي عاصرت انتفاضات توعوية وحققت مساواةً بين الذكور والإناث، لوحظ فيها التغيير حتّى في فلسفة الشتائم، حيث بات وقع الشتائم ومحتواها مختلفاً تماماً عما عليه الحال في مجتمعات المنطقة.
“تكرار هذه الشتائم وجعلها مجرّد كلمات سهلة النطق والتكرار من قبل مختلف الأعمار، ولدى الذكور بشكل خاص، وهي أقرب لأن تكون موقفاً متكرّراً بشكلٍ يومي، يجعل المرأة تشعر بأنها ليست مُلكاً مطلقاً للرجل فحسب، بل محط ازدراء واحتقار ومهانة” تقول سمر.
ربط الشرف بأجساد النساء السبب وراء توجيه الشتائم الجنسية لهنّ
تأتي الشتيمة كممارسةٍ غير محبّبة اجتماعياً، لاسيّما تلك التي تكون موجّهة للنساء، إلّا أنها تكاد تكون عادة يوميّة لا يستغني عنها البعض، ليس فقط في الحياة الواقعية، إنما باتت وسائل التواصل الاجتماعي، بيئةً خصبة لتبادل الشتائم بين المختلفين/ات في الرأي، وتغلب على هذه الشتائم، تلك الموجّهة إلى النساء ذوات الصلة بالشخص المُستهدَف، أو بشكل مباشر للمُستهدَفة.
تقول حلوة إن المجتمع الذي نشأت فيه، يعتبر الشرف مرتبطاً بأجساد النساء، لذا فإن هذا النوع من الشتائم يحمل طابعاً جنسيّاً ويكون موجّهاً في غالب الأحيان إلى أيّة أنثى تمت بصلة للشخص المستهدف، وتستكمل القول “إن شتيمة الشخص بتوجيه الإهانة إلى نساء عائلته، هو بمثابة إهانة للنساء جميعاً، ما يدفعنا إلى الشعور بالعنف عند سماعنا لهذه الشتائم، حتى لو لم تكن موجّهة لنا بشكل شخصي”.
من جهتها، تؤكّد لما راجح (الناشطة النسوية) لـ نيكستوري، أن لهذا الأمر دلالاتٍ كثيرة، منها اعتبار المرأة تابعة للرجل، وملكيّة خاصّة له، لذلك وفي حال رغِبَ رجلٌ ما أن يهين رجلاً آخر، فإنه سيقوم بالتركيز على الأعضاء التناسلية لنساء عائلته في شتائمه.
الشتائم الجنسيّة الموجّهة للنساء تضيق من مساحات حرّياتهنّ الشخصية
إنّ غالبيّة الشتائم الموجّهة للنساء، هي إساءات تمسّ حرياتهنَّ الجنسية، أو مظهر أجسادهنّ، وترى لما أنّ الأمر لا يؤثر فقط على الحياة اليومية للنساء، إنّما يؤثّر على الوظائف التي من الممكن أن يحصلنَ عليها، إلى جانب نظرة وتعامل المجتمع معهنّ، كما يؤثر على حريّة النساء الخاصة، والمساحة الخاصة بأجسادهنّ.
وتعتبر سمر أنّ إهانة الآخر/ الأخرى عن طريق السّباب والشتائم، أمرٌ ذو تبعات ومخاطر عدّة، حيث أنها تورّث مظاهر السيطرة والهيمنة والاستغلال، مع ما يرافقها من عنف وقمع، تعود بالدرجة الأولى إلى السيطرة الذكورية الهشة وغير المبينة على أي إدراك لأبعاد هذه الإهانة.
“بكل تأكيد، على المدى القريب ستترك هذه الشتائم أثراً على المرأة، متمثّلاً بمشاعر سلبية عميقة من حزن، وشعور بالنقص والانكسار، وقد تصل مع الوقت للنفور من أنها خُلِقت أنثى، ورفضاً لواقعها، أمّا على المدى البعيد فقد تتولّد لديها مشاعر النقص وانعدام الثقة بالنفس، وقد تعاني من التردد في اتخاذ القرارات المهمة في حياتها، وقد تعمّق الإهانة بشكل عام لديها، فكرة أنّها شخص ضعيف” على حد تعبير سمر.
لا شك أنّ إصدار الشتائم الجنسية وخاصّة تلك الموجّهة للنساء، لا تقتصر على الرجال فقط، حيث تصدر تلك الشتائم من النساء أيضاً، في ظل تحوّل الأمر إلى موروثٍ مجتمعي غير مبني على الوعي والإدراك بمدى الإساءة والإهانة الناتجة عنه بحق النساء، لذا فإنّه من الضروري الالتفات إلى التنشئة المجتمعيّة وتغييرها بما يضمن إزالة الصور النمطيّة بحق النساء ومكانتهنّ في المجتمع.