حين يتحوّل الخوف من البقاء في سوريا إلى فوبيا

نيكستوري – زوزان حسن 

“طموحاتنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى دعمٍ نفسي من المجتمع المحيط، وآخر اقتصادي من الحكومات.. لقد سئمنا الخطابات التحفيزية دون خطوات فعلية” تقول مروى (اسم مستعار لفتاة عشرينية من مدينة قامشلي) في سردها لـ نيكستوري حول واقع الفئة الشابة في شمال شرقي سوريا. 

وتكمل مروى قولها إنها، ومنذ أكثر من عشر سنوات، تبحث عن دوافع للتفاؤل بمستقبلٍ واضح المعالم، إلا أنّها، وفي كل خطوة تخطوها تتعثّر بعشرات العوائق التي خلّفتها الحرب، ومن قبلها المجتمع، الذي يشكّل عائقاً أمام الفتيات في اختيار شكل الحياة التي يرغبن أن يعشنها، لذا فإنها كثيراً ما توضَع أمام خيارَين، إمّا التنازل عن أحلامها، أو البحث عن طريق للهجرة، وعلى الرغم من معرفتها أن الخيار الأخير ليس سهلاً البتّة، إلا أنه في كثير من الأحيان بات طوق النجاة الوحيد. 

يُعرَف ما تُعانيه مروى مع أفراد جيلها بـ رُهاب البقاء في سوريا/ SYRIAPHOBIA، حيث تم تعريف هذا المصطلح في قاموس URBAN الحضري، على أنّه الخوف من قضاء بقية الحياة في سوريا، إلى جانب حالة القلق الجماعي الذي ظهر على جيل الألفية بسبب الخوف من البقاء، وتحوّلت هذه الحالة إلى رُهاب جرّاء الانحلال والفساد والدمار الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، بحسب القاموس.

جملةٌ من الأسباب تقف وراء رُهاب البقاء في سوريا 

رغم تعرّضه للتعذيب على الحدود السورية التركية العام الفائت، عند محاولته العبور إلى تركيا بطريقةٍ غير شرعية، بغرض الهجرة إلى ألمانيا، يقول سامي (اسم مستعار لشاب ثلاثيني من مدينة دير الزور) إن فكرة الهجرة لا زالت تسيطر عليه، ما أدّى إلى فقدانه التركيز على حياته الحالية داخل سوريا، وأفقدته القدرة على تطوير نفسه على الصعيد المهني. 

ويسرد سامي أسباب ذلك واصفاً إياها بـ”المحقّة” ويقول “لا يمكنني التفكير بالزواج والإنجاب في ظل غياب الضمان بحصول أطفالي على تعليم جيّد، أو حياةٍ مكتملة المقوّمات، حيث نطالب بأبسطها منذ سنواتٍ طويلة، دون وجود استجابة، الأمر الذي يتسبّب لنا بقلق وخوف دائمَين من المستقبل، فقد ألهانا البحث عن هذه المقوّمات عن السعي إلى تحقيق أحلامنا وطموحاتنا”. 

مروى أيضاً لم يحالفها الحظ في محاولةٍ للسفر بداعي استكمال الدراسة، ما يجعلها في قلق وخوف من الاستسلام للقبول بعرض زواج غير مقتنعة به، أو سلك طرق غير آمنة قد تكون ضريبتها كبيرة، كما أنّها تستهلك طاقةً كبيرة في محاولات البحث عن سبلٍ لتقبّل الواقع الحالي ورفع الوعي بضرورة عدم الاستسلام لحالات الضعف ولحظات الشعور بالاكتئاب واليأس.

“لا يقتصر الأمر على وعي الجيل الحالي بحقوقه، وخاصةً الاقتصادية منها، بل يسعى إلى الاستقرار في بيئاتٍ توفّر له ظروفاً معيشية جيّدة بعيداً عن الضغوط المجتمعية التي يتعرّض لها، كما يسعى الكثير منهم إلى الحصول على التعليم في الجامعات التي قد تزيد من فرص حصولهم على عملٍ يتناسب مع قدراتهم وطموحاتهم” تقول رنا (اسم مستعار لأخصّائية نفسية) في تصريحٍ لـ نيكستوري. 

أمّا روجين (اسم مستعار لفتاة عشرينية من مدينة قامشلي) فإنّ الدافع وراء رغبتها في الهجرة هو ما تعانيه من تقييدٍ لدورها الاجتماعي، وبالتالي منعها من تحقيق الذات ورفع الشأن في ميادين الحياة المختلفة، حيث تعتبره سبباً رئيسياً لدى غالبية فتيات جيلها للتفكير والرغبة في الهجرة. 

الشأن العام هش في حل مشكلات الفئة الشابة

قد تواجه الفئة الشابة الكثير من الاضطرابات النفسية، والتي قد تتجلى في فقدان الرغبة بالاهتمام أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة وصولاً إلى الخوف واليأس، وذلك نتيجةً لمعايشة سنوات طويلة من الحرب، خصوصاً لدى أولئك الذين/اللواتي لم يفلحوا/ن في محاولات الهجرة، وقد تطول هذه الاضطرابات لسنواتٍ طويلة حتى بعد انتهاء الحرب وتبعاتها، الأمر الذي قد يشكّل تهديداً على الروابط الاجتماعية والترابط الأسري وصولاً إلى التماسك المجتمعي، وفق ما تراه رنا. 

بدوره، يصف الصحفي جانو شاكر مشكلة الهجرة لـ نيكستوري بـ”المشكلة القديمة والمتفاقمة حديثاً”، ويعتبر التجسيد العملي لسوريا فوبيا هو نزيف الطاقات والإمكانات بهجرة نسبةٍ كبيرة من الفئة الشابة في شمال شرقي سوريا، ما يُصعب الأمر أمام الجهات المعنية، سواءً أكانت منظّمات المجتمع المدني أو المؤسسات الإعلامية أو الأطراف السياسية والثقافية في إقناع من تبقّى للتكيّف مع الظروف الحالية، واختيار البقاء. 

ولا يمكن التعويل على الشعارات، ما لم تكن هناك خطواتٌ عملية نحو إزالة أسباب الرغبة لدى الفئة الشابة بالهجرة، وغرس القناعة بإمكانية إيجاد مستقبل أفضل في المنطقة، كون هذه القضيّة مرتبطة بشكل رئيسي بإدارة البلاد، ومدى الثقة والتعاون والتنسيق بينها وبين العاملين/ات في الشأن العام من جهة، وبينها وبين مختلف شرائح المجتمع من جهة أخرى، بحسب جانو. 

وعن دور منظّمات المجتمع المدني في قضية سوريا فوبيا، تقول ريم شمعون (المديرة التنفيذية لمنظّمة تدمرتو في مدينة قامشلي) إن منظّمات المجتمع المدني لا زالت غير فاعلة في تفعيل دور الشباب والشابات بشكل واضح في خططها وأهدافها، وذلك ما يمكن ملاحظته من خلال وجود أعداد قليلة جداً من المنظمات التي تعمل على تفعيل دورهم/نّ القيادي والسياسي في المجتمع، وإنشاء مساحات لطرح مشكلاتهم/نّ ومحاولة إيجاد الحلول لها عبر ربطهم/نّ مع الجهات المعنيّة. 

توفّر مقوّمات الحياة، هو كسرٌ لسوريا فوبيا

لا يمكن التعامل مع فقدان الشعور بالانتماء على أنه مرض قد يُطبّب بجرعة دواء، حيث لا يمكن أن يشعر به الشخص إلا حين ي/تشعر بقيمته/ها وذلك عبر توفّر أبسط مقوّمات الحياة المتمثلة بتحسين الواقع الخدمي والبيئي والتعليمي، والأهم هو القضاء على الفساد، وإشراك الفئة الشابة في تقديم الحلول عبر تنفيذ المشاريع سواءً أكانت في المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية، تلك كانت جملة المقوّمات التي يراها سامي حلاً رئيسياً لإزالة الخوف من البقاء في سوريا. 

من جانبها شاركت ريم نيكستوري إحدى توصيات المشاركين والمشاركات في أحد مشاريع المنظمة التي تعمل بها، وهي إنشاء صندوق خاص لهم/نّ لدى السلطات المحلية، يتم من خلالها دعمهم/نّ عبر توفير قروض مناسبة لتنفيذ مشاريعهم/نّ الخاصة. 

وفي سياقٍ متصل، ترى روجين أنّه من الصعب التخلي عن المحيط الاجتماعي والروابط الاجتماعية التي تعتبر عوامل مهمة في الوصول إلى الراحة النفسية، فقد ثبت أن الكثيرين/ات ممن هاجروا/ن يعانون/ين من الوحدة، لذا فإن المطلب الرئيسي هو تحسين ظروف الحياة من كافة الجوانب، وتأسيس مراكز ومؤسسات خدمية وصحية، وإيلاء الاهتمام لإنشاء مساحات للترفيه، حتى يتم التخلي عن فكرة الهجرة، وزيادة الشعور بالانتماء. 
ختاماً، تكمن أهميّة الفئة الشابة في أنهم/نّ شريحة السكّان/الساكنات الحيوية، ومصدر الابتكار والطاقة الجديدة، التي من شأنها لعب دور أساسي في تحقيق التنمية المستدامة، ذلك ما يتطلبه تحقيق خطة التنمية المستدامة للعام 2030، عبر تحقيق شراكات قوية وشاملة بين الفئة الشابة وجميع أصحاب/صاحبات المصلحة.