الغطاء الأخضر في تقلّص مستمر .. ومواجهة التغير المناخي باتت أصعب

سولنار محمد – نيكستوري

“مع مرور الأيام، تتشابه مشاعر الإنسان مع الحديد والإسمنت المحاط بنا في هذه الأبنية السكنية” بهذه الجملة، تلخّص هيفي عيسى غياب المساحات الخضراء في الحي الذي تقطنه بمدينة قامشلي شمال شرقي سوريا. 

تشير هيفي إلى أن غياب المساحات الخضراء من حولها ينعكس سلباً عليها، لاسيّما في ظل ازدياد نسبة التلوّث الناجمة عن كثرة مولدات الكهرباء والسيارات داخل المدينة، ما يزيد من احتمالية حدوث السرطانات بشكل متزايد مستقبلاً. 

من جهةٍ أخرى، جلّ ما تتمناه هيفي هو وجود حدائق مخدّمة ومزوّدة بغطاء نباتي، كي لا يضطر أبناؤها للجوء إلى اللعب في الشارع، الأمر الذي قد يعرّضهم للخدوش والجروح، عدا عن احتمالية حوادث السير التي من الممكن أن تواجههم، “أن يلعب أطفالي في حديقة نظيفة وقريبة من المنزل، هو كل ما أتمناه” تقول هيفي. 

لا إحصائيات دقيقة .. آخرها بلغت نسبة الغطاء النباتي 1.5% من مساحة شمال شرقي سوريا

 تُعتبر نسبة الغطاء النباتي مقارنةً بمساحة منطقة الجزيرة، قليلة، حيث بلغ عدد الأشجار المزروعة في المناطق العامة، ما يقارب من 67 ألف شجرة، وهو عدد قليل إذا ما تم توزيعه على المساحة الكلية للمنطقة، بحسب ما يوضح محمد سعيد، الرئيس المشترك لـ”إدارة الحدائق والتشجير بمديرية البيئة في إقليم الجزيرة” التابعة للإدارة الذاتية.

ويضيف محمد أنه يجب زراعة ضعف العدد المذكور، حتى تصل النسبة إلى 5% من مساحة المنطقة، وعلى الرغم من ضآلتها إلا أنها تفوق ما كان عليه الحال قبل خمس سنوات، والتي لم يتجاوز فيها الغطاء النباتي نسبة 2%. 

ويوضّح محمد في تصريحه لـ نيكستوري أن نسبة التلوّث ارتفع بشكل واضح في منطقة الجزيرة، وذلك نتيجةً لتبعات الحرب في سوريا من عمليات تكرير النفط البدائية والانتشار الكبير لمولدات الكهرباء، الأمر الذي خلق حاجة ماسّة لزيادة الغطاء النباتي بهدف الحد من أو تخفيف آثار هذا التلوّث. 

من جهته، يقول منير خليل سمو، الاختصاصي في البيئة والموارد الطبيعية والمُحاضِر في جامعة روجآفا، إنه على امتداد سنوات الحرب في سوريا، عانى الغطاء النباتي من أعمال التخريب والحرق والتحطيب، إلى جانب الإهمال، حيث انخفض عدد الغابات الحراجية في منطقة الجزيرة إلى ما دون 40% منذ بداية الحرب، الأمر الذي أدّى إلى استفحال التلوّث البيئي، والتأثير سلباً على الكائنات الحية في ظل غياب خط الدفاع الأول، في إشارةٍ منه إلى الغطاء النباتي. 

أما زيور شيخو الذي يعمل ناطقاً رسمياً لجمعية جدائل خضراء، فيقول إنه لا يمكن الوصول إلى إحصائية دقيقة لنسبة الغطاء النباتي في منطقة الجزيرة، مشيراً إلى أنه في العام 2018، واعتماداً على إحصائيةٍ شاركت فيها منظّماتٌ أممية ومؤسسات من الحكومة السورية، فقد تبيّن أن نسبة الغطاء النباتي في كل من الحسكة والرقة ودير الزور، بلغت 1.5%، وهناك حاجة لزيادة هذه النسبة لأكثر من 16 مرة، حتى تتوافق مع المقاييس الدولية الاعتيادية، لتصل النسبة ما بين 10 إلى 18%، على حد قوله. 

تلوّثٌ بيئي تدعمه تحدياتٌ لا حصر لها

لعل أهم مسببات التلوث البيئي تكمن في عمليات تصفية النفط بطرق بدائية، واستخدام المبيدات والأسمدة بطرق غير آمنة، إلى جانب غياب آليات المراقبة والمحاسبة عن بعض السلوكيات المؤذية للطبيعة، من قبيل إلقاء النفايات السامة في المسطحات المائية، ما ينتج عنه تربة ملوثة ومياه وهواء ملوّثين، بحسب ما أوضحه منير لـ نيكستوري. 

وأضاف منير أن جملةً من التحديات تقف عائقاً أمام حاجة التربة للاستصلاح، أبرزها التكلفة المالية الكبيرة، وافتقار المنطقة للأيدي العاملة الخبيرة، إلى جانب التغيرات المناخية القاسية والجفاف في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة انخفاض الهطولات المطرية، بالإضافة إلى التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية، مما أدى إلى تقليل مساحتها وقدرتها الإنتاجية. 

أما محمد، فإن التحديات من وجهة نظره تكمن في عدم توفّر الكميات اللازمة من المياه لري الأشجار، وذلك في العديد من المناطق كمدينة الحسكة وبلدتيّ تل تمر والشدادي، إلى جانب غياب القوانين الفاعلة التي من شأنها المساهمة في زيادة الغطاء النباتي، بالإضافة إلى غياب الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على البيئة. 

محاولات لم تسد الحاجة إلى تكثيف الغطاء النباتي بعد

نفّذت بعض منظّمات المجتمع المدني مبادرات بيئية بهدف تكثيف الغطاء النباتي في المنطقة، منها منظّمة آشتي التي أطلقت مبادرة حملت عنوان “معاً نحو مجتمعاتٍ خضراء”، وذلك بالتنسيق والمشاركة مع منظّمات أخرى وسكّان/ساكنات محليين/ات في مدينة قامشلي، وتستمر المبادرة منذ العام 2015، متضمّنة زراعة الأشجار وتأهيل الحدائق في المدينة، واستهداف بعض المناطق في الريف، بحسب إيمان إبراهيم، المتطوعة في قسم البيئة بالمنظمة. 

وأضافت إيمان أنه يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني مسؤولية تنفيذ المشاريع البيئية، ومراقبة الانتهاكات بحق الطبيعة، وكذلك مناصرة القضايا البيئية، إلى جانب السعي لربط المجتمع المحلي ببيئتهم/نّ، وذلك من خلال رفع الوعي المجتمعي بذلك.

من جهتها، قامت جمعية جدائل خضراء بإنتاج 160 ألف غرسة حتى الآن، تم توزيع قسم منها خلال العامين الماضيين على المدارس والمؤسسات الرسمية، بحسب زيور الذي أوضح أن عملية إنتاج الغرس ليست بالسهلة، كونها عملية موسمية، وتحتاج لعام أو أكثر حتى تتحول البذار إلى أغراس، في ظل الظروف المناخية “السيئة” التي تعصف بالمنطقة. 

أما “مديرية البيئة في إقليم الجزيرة”، فقد منحت ما يقارب 25 ألف شجرة لمشتلَين إثنين يتبعان لها، في كل من قامشلي وحسكة، وزرعت ألف شجرة في منتزه بمدينة قامشلي، إلى جانب إنشاء غابات اصطناعية كغابة سد مزكفت في ريف تربه سبيه/القحطانية، التي زُرعت فيها 5 آلاف شجرة على مدار العام الحالي والمنصرم، وزراعة ما يقارب من 4300 شجرة في مناطق متفرقة، وذلك ضمن الهدف المنشود بزراعة مليون شجرة خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وفق ما أوضحه محمد. 

الوعي إلى جانب وجود خطط استراتيجية حلولٌ ستجدي نفعاً 

هناك العديد من المناطق ضمن جغرافية منطقة الجزيرة، هي الأكثر جاهزية لزيادة الغطاء النباتي فيها، وهي مناطق جبل عبد العزيز، وتل تمر، والدرباسية، وتربه سبيه/القحطانية، وديريك/ المالكية، كما أنه من الممكن زيادة أعداد الأشجار في محيط السدود وريّها بالطرق الحديثة، بحسب ما أوضحه الدكتور منير، والذي أشار إلى أن أفضل أنواع الأشجار التي تتناسب مع طبيعة المنطقة هي الأشجار المثمرة كالرمان والتين والزيتون والبلح واللوز والتوت، بالإضافة إلى الكرمة والصنوبر والسرو والحناء والأسيجة. 

وعن الحلول لزيادة الغطاء النباتي، أكّد منير أنه من الممكن إدارة المشاتل وبنوك البذور، وذلك لإنتاج الشتلات للنباتات البرية والساحلية، بهدف دعم مبادرات زيادة الغطاء النباتي وحفظ الموارد الوراثية النباتية، إلى جانب وضع الخطط السنوية للرعي وتنظيمه، وفقاً لدراسات الحمولة الرعوية لكل منطقة، إلى جانب ضرورة الابتعاد عن الأسمدة والمبيدات الكيميائية والاستعاضة عنها بالمواد والأسمدة العضوية، لما لها من فائدة في زيادة قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء، الأمر الذي من شأنه تخفيف أزمة الجفاف. 

من جانبها، ترى إيمان أنه من الضروري وضع خطة استراتيجية من قبل الإدارة الذاتية، تتضمن بياناتٍ عن حاجة المنطقة من الأشجار، والمناطق الأكثر جاهزية لتكثيف الغطاء النباتي فيها، وأشارت إلى أنه من الضروري ألّا تكون هذه الخطة حكراً على البلديات والمكاتب البيئة فقط، بل يجب إشراك هيئات الزراعة والري والتربية والتعليم ومديريات المياه إلى جانب منظمات المجتمع المدني، لضمان النجاح في حالة العمل الجماعي. 

وأشارت إيمان إلى ضرورة رفع الوعي لدى المجتمع المحلي فيما يتعلق بثقافة التشجير، والحفاظ عليها، إلى جانب عدم هدر المياه، ضمن سلوكياتٍ من شأنها زيادة نسبة الغطاء النباتي واستدامتها. 

“إن حل مشكلة نقص الغطاء النباتي، تكمن في توفير مياه الري، وتضمين شرط إنشاء مساحة لزراعة الأشجار في رخصة البناء، وإنشاء غابات اصطناعية وأحزمة خضراء حول المدن والبلدات، وتدوير مياه الصرف الصحي لاستخدامه في الري”، يقول محمد.