حبّة فاكهة غير مُستهلكة تجعل الكوكب أكثر حرارة 

نيكستوري – زوزان حسن

“لا يتعلّق الأمر بالحالة الاقتصاديّة، أو بالِوفرة والنُدرة، إنّما لا يمكن تسميته سوى بقلّة تقديرٍ للمتاح، حتى يتحوّل إلى مفقودٍ”، بهذه الكلمات تعبّر ليندا محمّد من ساكنات مدينة حسكة لـ نيكستوري، عن استيائها من زيادة نسبة هدر الطعام الذي يُطلب في مُعظم المطاعم الموجودة بمختلف مدن شمال شرق سوريا، وتضيف أن تذرّع الناس بعدم منفعة السلوك الفردي، بالإجابة المعتادة “شو وقّفت عليّ!!”، يفاقم المشكلة ويصد الأبواب أمام أية محاولة قد تبدأ من الأفراد لإنهاء هذه الظاهرة. 

“التقط صورة سيلفي مع الطعام ولا تنسَ أن تتناوله” هذه الجملة كانت إحدى التوصيات في حملة وقف الهدر (stop the waste) التي أطلقها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في العام 2019، بهدف التوعية والإضاءة على كميّة الطعام الذي يتم هدره. 

وتأتي أهميّة وقف هدر الطعام من كونه ظاهرة تشكّل تهديدًا للأمن الغذائي في العالم، لاسيّما في البلدان التي تعاني من الحصار وانعدام الأمن، فضلاً عن آثار فضلات الطعام على البيئة والتغير المناخي، تماماً كما هو الحال في مختلف المناطق السوريّة، ومن ضمنها شمال شرق سوريا.

هل ساهم الموروث المجتمعي في تعزيز ثقافة الاستهلاك؟

وفق تقريرٍ يعود  لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، تُفقد نسبة 14% من الأغذية تقريبًا خلال عامٍ واحد بعد حصادها، حتى مرحلة البيع بالتجزئة، فيما تُهدر نسبة 17% من الأغذية  في مرحلة البيع، في الوقت الذي يعاني/تعاني ما يقارب من 828 مليون شخص من الجوع، و3.1 مليار شخص في مختلف أنحاء العالم لا يتمتعون/نّ بنمط غذائي صحي.

تقول بيريتان أحمد من ساكنات مدينة القامشلي إنه لا يمكن لشخص أن ي/ترغب في هدر الطعام، إلّا أنّه يحدث بالفعل في معظم البيوت والمطاعم، خصوصاً في الولائم التي تم ربطها بضرورة وجود كميّات كبيرة من الطّعام، والتي تتناسب طرداً مع صفات الكرم والضيافة لدى العائلة المُضيفة، وفق معاييرٍ فرضها المجتمع منذ زمنٍ طويل. 

إن المشكلة بأكملها تكمن في ثقافة الاستهلاك، لقد حان الوقت للتوعية بأن توفير الطعام، والتقليل من هدره، بات أحد حلول أزمة الفقر في العالم، دون الحاجة لإنتاج المزيد من الأغذية، بحسب نبيل موسى الخبير البيئي، والذي يوضّح لـ نيكستوري أنّ وجود حبّة فاكهة واحدة غير مُستهلَكة، تجعل الكوكب أكثر حرارة. 

“يشكّل  الفاقد والمُهدَر من الأغذية في العالم نسبةً تتراوح بين 8 و10 % من إجمالي انبعاث غازات الاحتباس الحراري على المستوى العالمي، ممّا يساهم في عدم استقرار المناخ وحدوث ظواهر مناخية قصوى، والتي تقلّل من الجودة التغذوية للمحاصيل وتهدّد الأمن الغذائي” يقول نبيل. 

ويضيف أن هدر الطعام يؤدّي إلى زيادة النفايات، وبذلك يتم إهدار الموارد الطبيعية التي استُخدِمتْ في إنتاج تلك الأطعمة، مثل المياه والطاقة والمواد الخام، وهذا يعني تكبّد تكاليف أكبر للبيئة.

توجد إجراءات للحد من هدر الطعام .. لكن دون تفاصيل 

لم تتمكّن نيكستوري من الحصول على أيّة إحصائيّات تتعلّق بكميات الطعام التي يتم هدرها سواء في المطاعم أو في المنازل، كما لم تصل لإحصائيّات حول كميّة النفايات الناتجة عن هدر الطعام في شمال شرق سوريا، لكن في تقريرٍ صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة “UNEP”، الخاص بمؤشّرات نفايات الطعام خلال عام 2021، يشير إلى أنّه ينتج عن العالم ما يقارب من 931 مليون طن من نفايات الطعام سنوياً، بينها 569 طناً تخرج من المنازل، وحوالى 244 مليون طن من المطاعم، وذلك ما دفع دول عديدة لإصدار قوانين تهدف إلى تقليص هذه الكميّات وإعادة تدويرها.

من جهتها، توضّح بيريفان عمر نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الإدارة المحليّة والبيئة في إقليم الجزيرة لـ نيكستوري، أنه يتم العمل من قِبلهنّ/ن على تحديد إجراءات وتوجيهات تضمن تقليل كميّات الطعام التي يتم هدرها يوميّاً، إلّا أنّ هذه التوجيهات لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، وذلك ما أدّى إلى عدم حصول نيكستوري على أيّة تفاصيل حول طبيعة هذه التوجيهات، والتي سيتم على أساسها التنسيق مع أصحاب/صاحبات المطاعم للتقليل من كميّة الطعام الذي يتم هدره، وفق بيريفان. 

أمّا محمّد (اسم مستعار لصاحب مطعم في مدينة قامشلي رفض الكشف عن اسمه)، فإنه ألقى اللوم على زائري/ات المطاعم في زيادة كميّات الطعام الذي يتم هدره، قائلاً: “نحاول أقصى جهدنا أن نقلّل من هدر الطّعام، ونقوم بالإجراءات اللازمة لذلك، لذا يجب على الزبائن/الزبونات تحمّل المسؤولية وطلب الطعام بكميّة مقبولة”. 

لكن نيكستوري لم تجد أيّة إجابة واضحة لدى محمّد وعدد من أصحاب/صاحبات المطاعم في المدينة، حول طبيعة الجهد والإجراءات المتّخذة من قِبلهم/ن للتقليل من هدر الطعام المقدّم في المطاعم، وكانت الإجابة الوحيدة أنّه يتم إرسال الطعام المتبقّي إلى المحتاجين/ات. 

الحل من وجهة نظر خبراء/خبيرات وتجارب عالميّة 

“من المهم سَنّ القوانين ووضع اللوائح التي تنظّم عملية إنتاج الأغذية وتدوير النفايات بالطرق المناسبة والصديقة للبيئة من قبل الحكومات، وقد تم تطبيق الأمر في دول عديدة وأظهرت نتائجَ فعلية”، يقول نبيل، كما أنه يرى من الضرورة أن تتم توعية المجتمع المحلّي عبر وسائل الإعلام بالطرق الأمثل لشراء وتخزين الأطعمة، بما يضمن تقليل مقدار الهدر الناتج عن سوء التخزين.

في العام 2022 أطلقت الحكومة السويسرية خطة تهدف إلى خفض هدر الطعام للنصف بحلول عام 2030، حيث يُهدر ما يعادل حوالي 330 كيلوغرام من النفايات للفرد الواحد في السنة، كما أقرّت إسبانيا مشروع قانون يهدف إلى الحد من هدر الطعام من خلال فرض غرامات تصل إلى 60 ألف يورو على المطاعم والسوبر ماركت التي تخزن بقايا الطعام.

وفي هذا السياق، يذكر نبيل بعض الحلول الممكنة، مثل تحويل النفايات الغذائية إلى سماد عضوي، أو إعادة استخدام النفايات الغذائية في تحضير وجبات جديدة، أو إطعام الحيوانات وتدريب العاملين/ات في المطاعم حول أهمية إدارة النفايات الغذائية بطريقة صديقة للبيئة وكيفية تنفيذ هذه الممارسات.

 لكن يبقى الهدف الأساسي، بحسب نبيل هو التقليل من هدر الأغذية قبل أن تتحول إلى نفايات، وذلك من خلال الشراء المسؤول وتحسين تخزين الأطعمة، والتخطيط مسبقاً للوجبات، وإن استمرارية هذه الممارسات تؤدّي إلى تحقيق هدف صفر نفايات.

ختاماً، تقول أديبة حسين إحدى ساكنات مدينة قامشلي، إنّه من المؤسف الاستمرار في هدر الطعام واتّباعه كسلوكٍ مجتمعي، في ظل وجود عائلات وأشخاص يضطرون/يضطررن إلى الحصول على الطعام من حاويات النفايات، كمشهدٍ يومي بات اعتياديّاً ومكرّراً في غالبيّة أحياء المدينة. ذلك ما وثّقه تقريرٌ لوكالة فرانس برس، حيث تظهر فيه مجموعةٌ من الأشخاص ممن يبحثون/ن في مكب للنفايات بمدينة ديريك/ المالكيّة، وهم/نّ يتهافتون/ن لإيجاد ثياب لارتدائها أو بقايا طعامٍ يسدّون/ددن بها جوعهم/نّ. تقول إحدى السيّدات في التقرير”أحياناً أتمكّن من التقاط حبّة برتقال أو تفّاحة أو حبّة بصل، آخذها لأجل عائلتي”.