نيكستوري – عليا محمّد
في الفترات التي تكثُر فيها المناسبات والأعياد الرسميّة، وخاصّة القوميّة منها في شمال شرقي سوريا، تطغى صور النساء المحتفلات على تغطيات الوسائل الإعلاميّة لهذه المناسبات، ومؤخراً تعدّى ذلك إلى المحتوى المقدّم من قبل النشطاء/الناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً.
وترى بعض النساء في شمال شرقي سوريا أن تداول صور النساء بكثرة مقارنةً مع إظهار الرجال في التغطية الصحفية للمناسبات والأعياد، “أمرٌ مبالغٌ به”، بل إنّه يتعدّى لأنْ يوصَف بتسليعٍ للنساء، كونه ينجم عن الرغبة في الحصول على أعداد كبيرة من التفاعلات والمشاهدات، ذلك وفق ما تقوله صفا الإبراهيم، من ساكنات مدينة ديرك/المالكية لـ نيكستوري.
وتؤكّد صفا أن الأمر غير صائب، خصوصاً أنه يتم على حساب ظهور الرجال والشباب إلى جانب الأطفال/الطفلات، وكبار/كبيرات السن.
تسليع النساء .. أمرٌ ليس بجديد
ركّزت دراسة أعدّها الباحث د. مَحْمُود الرَّجَبي -عضو هيئة التدريس فِي جامعة الشرق الأوسط- (والَّتِي هَدَفت إلَى بناء معايير يُعتمد عليها في تناول صورة المرأة إيجابيًا من خلال وسائل الإعلام)، على ضرورة ترسيخ مفهوم المرأة الإنسان، وتحييد قضية جنسها أثناء الحديث عنها إعلامياً، وعدم التركيز على جسدها، إلى جانب التوقف عن اعتبار جسدها مجالاً استثمارياً لزيادة دخل الإعلانات والمشاهدات، وعدم تسليع المرأة من الجانب الآخر الذي يعدها فتنة.
يتحدّث عمّار حمو (الذي يعمل كمحرّرٍ صحفي) لـ نيسكتوري، بأن البعض من وسائل الإعلام تتعمّد استخدام الصورة كأداة لجذب الجمهور وكسب المتابعين/ات، ويبدأ الأمر من اختيار المذيعة أو مقدّمة البرامج، معتبراً أنه عملٌ منافٍ للأخلاق إذا ما كان المعيار المطلوب يعتمد على المظهر الخارجي وفق المقاييس التي حددها المجتمع للجمال، دون الاهتمام بالكفاءة والمؤهلات الأخرى.
“المشكلة في استخدام “الجميلات” لا يقتصر على كوادر المؤسسات الإعلامية، وإنما يمتد إلى تغطية العاملين في تلك المؤسسات، فكثيراً ما شاهدنا صوراً من المخيمات مذيّلة بتعليقاتٍ مثل: انظروا لتلك العينين الزرقاوتين، حرامٌ لمثل هذه الفتاة أو الطفلة العيش في خيمة. وكأن صاحبة العينان بألوان أخرى من الطبيعي أن تعيش في مخيم، إذاً المشكلة عامة لدى مؤسساتنا السورية ولدى مجتمعاتنا”، يقول عمّار حمو.
ذلك ما ي/ترفضه الناشطون/ات النسويون/ات، معتبرين/ات الأمر مهينٌ بحق النساء، خاصة أن استخدام المرأة كسلعة في الإعلام، ليس بالأمر الجديد، حيث تطغى صور النساء على أغلفة المجلات والإعلانات، بحسب رأي لجين حاج يوسف التي تعمل في الحقل الصحفي ومدرّبة.
وتؤكّد لجين أنه وعلى الرغم من ارتفاع أصوات الناشطين/ات والحقوقيين/ات، فإن معظم وسائل الإعلام العالمية لا زالت تستخدم المرأة “الجميلة” في نشراتها الإخبارية، ونشرات الطقس وغيرها، وهذه الممارسات تمييزية وغير أخلاقية.
من جهته، يقول الكاتب والصحفي عباس موسى لـ نيكستوري، إنّه من المهم الحديث عن حضور المرأة في الإعلام، سواء كانت صانعة للحدث أو مؤثّرة فيه، كما يمكن التحدث عن أبرز الظواهر السلبية لحضور المرأة في الإعلام والمتمثل بتسليعها من خلال صورها أو الحالات التي تركز على موضوع الجسد كسلعة محوراً للمادة الإعلامية، موضحاً “أنّ الحديث عن مواضيع النساء والجسد وأكثر المواضيع الحساسة، بطريقة موضوعية ومعمّقة، من مهام الإعلام ومطلوب منه، لكن تناوله على نحو خفيف واستخدام صور جذب القرّاء وتصيّدهم بغرض زيادة المتابعة، فهو ليس من أخلاق الصحافة، ويبتعد عن حقّ المرأة في البروز في الإعلام”.
وتؤكّد الناشطة النسوية ناز حمي بأن التركيز على صور النساء هي مسألة تسليع، ترويج، ولكسب المشاهدات، وهذا الأمر هو تنميط لصورة النساء وتعزيز لفكرة دور المرأة غير الفعّال، أي هي حالة متأثرة بالحدث وغير مؤثرة فيه.
الالتزام بأخلاقيات الصحافة ومراعاة النوع الاجتماعي هو الحل
قد تكون التوعية تجاه كسر الصورة النمطية للنساء في الإعلام، أولى الخطوات نحو التغيير، إلى جانب زيادة الوعي الإعلامي، وضرورة تبنّي المؤسّسات الإعلامية لسياسات وقواعد ضابطة لظهور النساء، إضافةً إلى رفع وعي النساء العاملات في هذا المجال ليصبحنَ فاعلات ومؤثّرات في عملية تغيير هذه القواعد، وفق ما تراه لجين حاج يوسف في الإجراءات المطلوبة لتبديد الصورة النمطية للنساء في الإعلام.
حيث ترى لجين أن التغيير عمليّة تراكميّة، ومرهونة برؤية المؤسسات والوسائل الإعلاميّة وقرارهها في إحداث التغيير المجتمعي.
أما عمار فيرى أن التزام المؤسسات الإعلامية بوضع بنود تمنع التمييز على أساس الشكل أو اللون، وتطبيق هذه البنود بشكل فعلي، يمكن أن يحقق نوعاً من التقدم، لاسيّما أن المؤسسات الإعلامية تمتلك أنظمة داخلية تؤطِّر عملها، وتحكم عملية التوظيف فيها.
“لا ثقة لدي بالقدرة على التغيير، ولكن هناك حاجة ملحّة لأن نحاول، وأقولها دوماً أننا كصحفيين/ات نعمل من أجل صون حقوق الإنسان، ونرصد الانتهاكات، لذلك يتعين علينا أن نكون أول/أولى من ي/تمنع الانتهاكات داخل مؤسساتنا” بحسب وصف عمار.
أما عباس موسى، فإنه يرى أن الخط الفاصل ما بين الابتذال والموضوعية ينطلق في أساسه من المهنية التي يتمتّع/تتمتّع بها الصحفي/ة وينطلق كذلك من تبني الصحفي/ة لنظرية المسؤولية الاجتماعية والوقوف على قضايا المجتمع ومنها قضايا النساء، دون أخذ موقف معادي منها أو نظرة نمطية تفترض أنّ عرض صورة المرأة بطريقة ما قد يجذب القرّاء، مضيفاً “أنّ المهنية الصحفية وتبني الصحفي لأخلاقيات المهنة، يقيه من الانزلاق”.
يرى البعض أن تعامل الوسائل الإعلامية مع النساء على هذا النحو، من شأنه تكريس الصورة النمطية عبر ربط صفة الجمال بجنس النساء بعينه، الأمر الذي يمكن اعتباره تمييزاً على أساس الجنس، ويعيق مسار المشاركة الفعّالة للنساء والرجال في أدوراهنّ/م الاجتماعية بالحالة الطبيعية، لذا فإنّه من الضروري العمل على رفع الوعي بضرورة المناداة بمساواةٍ فعلية غير قائمة على نقل التمييز من جنس إلى آخر، حيث تشمل عملية التغيير والوصول إلى المساواة، الاستعداد للتنازل عن بعض “المكتسبات” التي من شأنها تعزيز التمييز ضد الجنس المقابل.