نيكستوري – عليا محمد
تم إعداد المادة بالتعاون مع تحالف مشروع “حق المرأة في الميراث” والذي تنفذه (مركز سمارت، منظمة تاء مربوطة، وجمعية نوجين) بدعم من مركز الدعم المجتمعي.
“لم أقتنع حتى الآن بالسبب الذي دفع والدتي بالتخلي عن حقها في الميراث.. لم أكن لأتخلى عنه لو كنتُ مكانها”، تستذكر سوزان (اسم مستعار لفتاة عشرينية من مدينة حسكة) حين تخلّت والدتها وبـ “كامل إرادتها” عن حقها في ميراث والدها، وذلك بمبرر أنها ليست بحاجة إليه، وتقول سوزان إن مطالبة النساء بحقوقهن في الميراث، أمرٌ طبيعي لكن المجتمع يقوم بتصويره على أنه معيب.
إن الفكرة السائدة مجتمعياً والرافضة لمطالبة النساء بحقّهن في الميراث، بدت جليّة في حديث رجل من مدينة ديريك/المالكية، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، بقوله “لم أسمع يوماً أن عائلةً ما قامت بمنح نسائها الميراث، ولا أرى ذلك حقاً بالفعل، فتلك النسوة سيتزوجن، والرجال بطبيعة الحال هم من ينفقون، لذا لا أرى من حق النساء المطالبة بالميراث، حتى لو كان ذلك حقاً شرعياً”.
من جهتها، تؤكد الناشطة النسوية صباح حلاق في حديثها لـ نيكستوري، أنه وعلى الرغم من قدسية النص الديني لدى الغالبية من المؤمنين/ات، وهو ما تم اقتباسه في النص القانوني للميراث، إلا أن العادات والتقاليد تغلب على الشرع في حالة الميراث في معظم المناطق السورية.
وتوضّح صباح أن حرمان النساء من هذا الحق، هو عرف قائم، ما يدفع غالبية النساء، وخاصّةً في المناطق التي تعتبر فيها النساء أقل حظاً بالتعليم والعمل، بالتخلي عن حقّهن هذا، نتيجةً للأعراف القائمة والمتعلقة بمحاصصة إخوتهن.
وفي سياقٍ متّصل، يؤكد الشيخ أحمد الشيخ إبراهيم حقي، بأن الشريعة تجرّم الرجل مهما كان زوجاً، أو أخاً، أو ابناً، من حرمان المرأة من حقها في الميراث، ويعتبره مالاً حراماً كأيّ مالٍ مسروق سيُحاسَب عليه، على حد قوله.
الأعراف المجتمعية تغلب على قوة القانون
يختلف قانون حصر الإرث في سوريا حسب الأملاك أو الأموال التي سيتم توريثها، وينقسم إلى قانون حصر الإرث الشرعي، والنظامي أو الأميري، بالإضافة إلى العمالي، ويقول الباحث القانوني والحقوقي حسين فريد لـ نيكستوري، بإن صاحب/ة المصلحة سواء أكان الابن أو الابنة أو غيره/ها، هم/نّ مخيّر/ةفي اتّباع أي قانون من القوانين الثلاثة، عند البدء بإجراء حصر الإرث.
“إنّ الذين يتّبعون التوزيع الشرعي، يشكّلون نسبةً كبيرة في مناطقنا، وذلك بالمقارنة مع الذين يتّبعون التوزيع المدني، حيث، وعلى مدار سنوات عدة، فإن نسبة الذين توجهوا للاختيار المدني يمكن عدّهم على الأصابع” يقول حسين، ويضيف أنّ فكرة منع المرأة من الميراث تُعتبر تعدياً على الشريعة والقانون.
وبحسب تقرير يعود لمجلس حقوق الإنسان، فإن توزيع الميراث يختلف بين الوَرَثة الذكور والإناث لدى غالبية السوريين/ات، بالنسبة إلى غالبية السوريين/ات، فالمُستَحَق للبنات هو الحصول على نصف ميراث الأبناء، وتُشكل الأعراف والتوقعات الثقافية حواجزَ إضافية أمام العديد من النساء لوراثة الممتلكات السكنية، فضلاً عن الأصول الأخرى.
ووفقاً للتقرير نفسه، فإنه في جميع أنحاء سوريا، وخاصة في المناطق الريفية، تواجه النساء ضغوطاً من أفراد الأسرة الذكور لعدم المطالبة بأيٍّ من حقوقهن بموجب قوانين الميراث، وكثيراً ما يلتصق العار بالسعي وراء مثل هذه المطالبات المشروعة، ولذلك تتخلى نساء كثيرات عن ميراثهن الشرعي من الممتلكات السكنية تماماً، في سياق توقع مجتمعي بأن أفراد الأسرة الذكور سيوفرون لهنّ أسباب الحياة.
لقد كان الخوف من الوصم المجتمعي سبباً رئيسياً دفع بـ سمر (اسم مستعار لامرأة ثلاثينية من مدينة الحسكة) وأخواتها بالتخلّي عن حقهن في ورثة أبيهنّ، عند قيام العائلة بمعاملة حصر الإرث عبر قانون حصر الإرث الشرعي، والذي لم يطبّق كما يجب بحسب سمر، حيث تم توزيع شقة سكنية لكل أخ من إخوتها الثلاثة، بينما كان للأخوات الخمس شقة سكنية واحدة.
“لم نعترض على توزيع الميراث في البداية، لكننا طالبنا مؤخراً بإعطاء ملحق المنزل للأخت الصغرى لنا قبل أن تتزوج، إلا أن الموروث المجتمعي الذي اكتسبته والدتنا – الذي أدى إلى إجبارها على التبصيم مع أخواتها للتنازل عن حقهن في الميراث عن زواجهن – فإنها رفضت طلبنا منها بالتدخل لمساعدة أختنا”، تقول سمر.
رفع الوعي المجتمعي والتشاركية في الأدوار الاجتماعية سبيلٌ لتحقيق المساواة
إن وصول المرأة إلى حقها في الحصول على الميراث، يتطلب إحداث التغيير في الأدوار الاجتماعية النمطية لكلا الجنسين، بحسب صباح، التي تشير إلى أن التشاركية بدءاً من تأسيس منزل الزوجية ووصولاً إلى الإرث، يمكن اعتبارها اللبنة الأساسية للتغيير، وذلك لأن التغيير المجتمعي يستغرق مدةً أطول من تغيير القوانين.
وتستشهد صباح بتجارب ناجحة لدولٍ تمكنت من سن قوانين منصفة للجنسين، وساهمت في تحسين الأوضاع عامةً، وتغيير الأعراف والعادات المجتمعية، كما جرى في المغرب وتونس والجزائر، لذا لا بد من وجود قانون ينص على المساواة والعمل المجتمعي الذي يهدف لرفع الوعي بالحقوق والحريات، وتمكين أفراد المجتمع وخاصةً الفئة الشابة، كونها أداة مهمة للتغير.
من جهةٍ أخرى، فإن تفعيل دور الإعلام في طرح قضايا النوع الاجتماعي، ومن ضمنها قضية حق المرأة في الميراث، من شأنه رفع الوعي المجتمعي تجاه هذه القضايا، إذا ما تم طرحها بحساسية ودون تكريسٍ للتنميط، بحسب الإعلامية نور الأحمد من مدينة حسكة، التي ترى بأنه من الضروري تكثيف الجهود في الحقل الإعلامي، وإيلاء الاهتمام بشكل أكبر بقضايا النساء ككل.
“بعد أربع سنوات من عملي في المجال الإعلامي، بدأت العمل على تغطية قضايا النساء، وتوصلت إلى حقيقة أن الكثيرات من النساء لا يمكنهن التحدّث عن قضاياهنّ حتى في مساحاتهنّ الضيقة، وذلك لما للأعراف والعادات المجتمعية أثر كبير عليهنّ”، تقول نور.
وتضيف نور أنه من الضروري أن تتمتع النساء في المنطقة بالاستقلال الاقتصادي، الذي سيمهد الطريق نحو تحقيق المساواة، وذلك في ظل غياب القوانين المنصفة والحاسمة لقضايا النساء، إلا أن الاستقلال الاقتصادي للنساء إلى جانب تكثيف حملات المناصرة ورفع الوعي، سيحدث التغيير لا محال.
وفي سياقٍ متصل، فإنّ التقصير في طرح قضايا النساء عامّةً يمكن ملاحظته في عمل منظّمات المجتمع المدني أيضاً، والتي لم تتمكن حتى الآن إحداث التغيير اللازم فيما يتعلق بالأعراف المجتمعية المتعلقة بالنظرة النمطية لقضايا النساء، بحسب ما توضحه الناشطة المدنية لينا نجاري لـ نيكستوري.
وتقول لينا إنّ التغيير في ثقافةٍ مجتمعية قائمة، ورفع الوعي المجتمعي تجاه القضايا الحساسة للنوع الاجتماعي، لا يمكن تحقيقه في فترات قصيرة الزمن، بل هناك حاجة إلى وقت طويلٍ وجهد أكبر لتغيير هذه الثقافات، خاصةً في ظل حداثة تجربة منظمات المجتمع المدني في شمال شرقي سوريا، على حد قولها.
لا بد من رفع الوعي قانونياً واتّباع القوانين المنصفة بحق النساء
تقول صباح “إن عدم الوعي وعدم معرفة أفراد المجتمع بقانون حصر الإرث الأميري (الذي يقوم على المساواة بين النساء والرجال في حصص الأراضي)، فإنه لا يطبّق، لذا من الضروري الإلزام بتطبيق هذا القانون حتى لا تُحرم النساء من الحق المنقوص في الإرث”.
وتشير صباح في حديثها، إلى أن هذه المسألة يمكن حلها ضمن الدستور حتماً، ولا يكفي ما يرد في الدستور السوري فيما يتعلق بعدم التمييز على أساس الجنس والعرق والدين، بل يجب أن ينص على المساواة في الحقوق والحريات، ومن ثم انعكاس هذه المادة على تعديل القوانين بما يضمن تحقيق المساواة.
ويؤكّد حسين أن تنازل غالبية النساء عن حقّهن في حصول على الميراث، والذي يتم بمحض إرادتهن، فإنه ينبع من تأثير الموروث المجتمعي عليهن، وترسيخ صورة نمطية بحق المراة التي تطالب به، مضيفاً أنه من الضروري توعية النساء بحقهن في الحصول على الميراث، والذي يعتبر حق دستوري وقانوني وشرعي.
ختاماً، فإنه في الوقت الذي تعاني فيه النساء من الحرمان من بعض حقوقهن، وممارسة التعنيف المجتمعي ضدهن في حالة المطالبة بتلك الحقوق، يدعو عدد من الناشطين/ات في مجال حقوق النساء، إلى ضرورة العمل على تغيير الأدوار الاجتماعية لكلا الجنسين، والسعي للوصول إلى التشاركية سواء أكان في الإنفاق أو في تأسيس الحياة المشتركة ككل، بهدف الوصول إلى مساواة فعلية تضمن إلغاء المظالم التي خلّفها الإرث المجتمعي على مختلف الأنواع الاجتماعية.