نيكستوري – زوزان حسن
“لم أتمكّن من تجاهل المشهد المؤلم لتراكم النفايات في الكثير من أرجاء المدينة، لذا قررتُ أن أساهم في إيجاد الحلول لهذه المشكلة التي ألهمتني فكرة مشروع تخرّجي من الجامعة، والذي يهدف إلى التحوّل للاقتصاد الدائري، وإدارة النفايات بشكلٍ مستدام”، تقول طالبة الهندسة المعمارية زوزان عيسى في حديثها لـ “نيكستوري”.
في صيف العام 2022، كانت زوزان تقضي عطلتها الصيفية في مدينتها قامشلي، قادمةً من ألمانيا، وبدأت التخطيط لمشروع التخرّج، على أن يكون قائماً على إدارة النفايات في شمال شرقي سوريا في بلدها الأم، حيث سعت من خلاله إلى تعزيز ثقافة الاقتصاد الدائري، وتحسين نظام جمع وفرز النفايات.
ويُعرّف الاقتصاد الدائري على أنه نموذج اقتصادي يهدف إلى التحكّم بالموارد والإمكانات المتاحة، ويهدف إلى تقليل الهدر في المواد الخام والأخرى المُستخدمة إلى جانب الطاقة، والاستفادة منها قدر الإمكان، بما يخدم تحسين الواقع البيئي، وتقليل النفايات، وتقليص الانبعاثات.
في الثاني من آذار/مارس العام 2022، اعتمدت جمعية الأمم المتحدة للبيئة، قراراً بشأن الاقتصاد الدائري، الذي يمكن أن يساهم في معالجة التغيّر المناخي، وفقدان التنوّع البيولوجي، وتدهور الأراضي، وأثر الإجهاد المائي، والتلوث، حيث يمكن من خلال انتهاج الاقتصاد الدائري، المساهمة في إنجاز الأهداف ذات الصلة في إطار خطة التنمية المستدامة للعام 2030، إلى جانب الأهداف الأخرى المتفق عليها دولياً.
الاقتصاد الدائري خطوة نحو تعزيز الأمن الغذائي وصون البيئة
خلال السنوات الأخيرة، عانت مجتمعات المنطقة، ولا زالت تعاني، من أزمةٍ بيئية، وبات العمل على التخلّص من مسبباتها، لاسيّما النفايات الصلبة الناتجة عن مخلّفات البشر، أمراً ضرورياً، وذلك بحسب الناشطة البيئية هيفين شيخو التي أشارت إلى أنه وفي الوقت الحالي، يتم التخلص من هذه النفايات بطرقٍ غير آمنة، ودون مراعاةٍ لأدنى شروط الحياة الصحية، ومن هذه المخلفات هي الصلبة، والعضوية، وأخطرها الطبية والكيميائية، التي تبذل أغلب الدول جهداً في التخلص منها، بوسائل عديدة.
وتوضّح هيفي في حديثها لـ “نيكستوري” أنه من المهم القيام بإجراءاتٍ تمنع التخلص من النفايات بالطرق الضارة، مثل الحرق أو الطمر، وذلك لما تسببه هذه الوسائل من كوارثٍ بيئية على المدى البعيد، وتؤكد على ضرورة تبنّي الجهات المعنية الإجراءات اللازمة للاستفادة من النفايات، بما يضمن تحقيق التوازن البيئي ضمن مسار الاقتصاد الدائري.
واحتفلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة في العام 2023، باليوم الدولي للقضاء على الهدر، وذلك بهدف تعزيز أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، وكذلك رفع الوعي المجتمعي نحو التدوير، وضرورة المساهمة في المبادرات المعنية بالقضاء على الهدر، نحو تحقيق والنهوض بخطة التنمية المستدامة للعام 2030، حيث يمكن لهذه المبادرات أن تسهم في تعزيز الإدارة السليمة للنفايات والتقليل منها، مما يساهم في صون البيئة وتعزيز الأمن الغذائي.
وخلال الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على الهدر، قال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالةٍ مصوّرة، إن أزمة النفايات تقوّض قدرة الأرض على الحفاظ على الحياة، وإنها تكبّد الاقتصاد العالمي خسائرَ تقدّر ببلايين الدولارات سنوياً، مشيراً إلى أن التعامل مع الطبيعة على أنها مكب للنفايات، يؤدي إلى قتلها لا محال.
إعادة التدوير في شمال شرقي سوريا تطال نسبة ضئيلة من النفايات
“صفر نفايات” مشروع نفذه كل من الهلال الأحمر الكردي ودائرة البيئة وبلدية الشعب، بدعم من منظمة UPP الإيطالية في العام 2022، بهدف فرز النفايات وإعادة تدويرها، حيث استهدف المشروع النفايات المنزلية فقط، بحسب روفند عبدو المسؤولة في إدارة البيئة.
وأوضحت روفند أن المشروع بدأ من القيام بزيارة بعض المنازل والمحال التجارية، ومن ثم توزيع بروشورات بهدف رفع الوعي، وتقديم المعدات اللازمة للأهالي بعد إخضاعهم/نّ لتدريبات تمكّنهم/نّ من استخدام هذه المعدّات، وتجميع هذه النفايات في سيّارات خاصة لتحويلها إلى موادٍ تفيد البيئة، إلا أنه لم يستهدف سوى اثنين فقط من الكومينات “المجالس المحلية”، وبالتالي فإن النسبة لا تتجاوز 1% من مساحة مدينة حسكة، على حد قولها.
وأشارت روفند في تصريحها لـ “نيكستوري” إلى أنّ النفايات العضوية تتحوّل تلقائياً إلى أسمدة تدخل في عملية زراعة الأشجار وتحسين التربة، أما المواد البلاستيكية والمعادن، فيتم فرزها بشكل منفصل، وكذلك الأمر بالنسبة للكرتون والورق، حيث تتم إعادة تدويرها في معامل مخصصة في مدينة حسكة، أما الطبية، فإنه يتم طمرها في 9 مراكز مخصصة لها في “إقليم الجزيرة”، تستهدف كافة المستشفيات والمستوصفات عدا العيادات الخاصة على مستوى شمال شرقي سوريا.
وفي سياقٍ متصل، قال شيار محمد (الإداري في مديرية المعامل والإنتاج بإقليم الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية) إنهم/نّ افتتحوا/ن معمل “جيا” لإعادة تدوير الكرتون في العام 2023، وتبلغ طاقته الإنتاجية ما يقارب من 25 طن من الورق، ويعمل/تعمل به 250 عامل/ة، على حد قوله.
“إن الإدارة السليمة للنفايات تساهم في خلق مساحات داخل المدن وحولها للاستخدام الزراعي أو السكني، وكذلك الحفاظ على المخططات التنظيمية الصحيحة، كما أنه من شأنها خلق فرص العمل وذلك عبر الحاجة للأيدي العاملة في حالة وجود معامل ضخمة لإعادة التدوير وما تتبعه من عمليات الجمع والفرز وغيرها”، تقول هيفين.