صحافة الحلول.. ماهيتها وأهميتها

أفين يوسف

عندما نسمع مصطلح “صحافة الحلول” يتبادر إلى أذهاننا عدة تساؤلات، هل هناك شيء اسمه صحافة الحلول؟ وفي حال وجوده فما هي ماهيته؟ لِمَ هي موجودة؟ على ماذا تركز؟ بماذا تختلف عن الصحافة التقليدية؟

ربما تكون الإجابة عن كل هذه التساؤلات وشرحها يكون بسيطاً ومعقداً في ذات الوقت، لما لها من أبعاد قد تكون جديدة عن تلك المعارف عليها في الوسط الإعلامي.

تركز صحافة الحلول على الاستجابات للقضايا المجتمعية، وذلك عبر تسليط الضوء على الحلول البناءة والفعالة، وإنتاج محتويات صحافية متوازنة، موضوعية، ومعقولة تسلط الضوء على المشاكل والحلول المحتملة لتلك المشاكل، بهدف توجيه الأنظار إلى كيفية تجاوز المشكلة، وإشراك الجماهير بطرق هادفة.

لماذا صحافة الحلول؟

مع تكاثر وسائل الإعلام وتوفرها بشكلٍ واسع، وخصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، تبين أن أكثر من 36% من الناس يتجنبون متابعة الأخبار لأنها تؤثر سلباً على مزاجهم، هؤلاء المتجنبون للأخبار غالباً ما يهتمون بالقصص الإيجابية أو القائمة على الحلول لأنها قد تبعث في أنفسهم الأمل والتفاؤل، وذلك بحسب تقرير صادر عن معهد رويترز التابع لجامعة أكسفورد

لذلك من المهم للغاية كسب هذه الفئة من الجمهور باعتبارهم يشكلون ثلث المجتمع، إضافةً إلى تبعات التأثيرات النفسية عليهم وعلى بقية الفئات المجتمعية من حولهم وذلك من خلال توجيه الإعلام إلى الحلول المحتملة وتسليط الضوء على القصص والمبادرات الناجحة والتي تلقت استجابات.

ومن الأغلاط الشائعة التي تعتمدها وسائل الإعلام هي طرح المشكلة، وفقط المشكلة، دون التطرق إلى الحلول، أو طرح المشكلة وطرح حلول غير قابلة للتنفيذ، أو الاعتماد على تصريحات خبراء ومختصين أو مسؤولين حكوميين يقدمون وعود بحلول محتملة، وغالباً تكون للاستهلاك الإعلامي فقط.

إذاً صحافة الحلول لا تتمثل فقط في أن نقترح حلولاً أو ننقل مقترحات حلول من خبراء ومسؤولين كأن نسألهم في نهاية المقابلة: “إذاً ما الحل”؟  

كلمة “حلول” قد تجعلنا نشعر براحة أكبر تجاه المشاكل ولكنها غير صائبة، إذ يمكن أن نصاب بالخيبة بعد فترة وجيزة لأنها، أي الحلول، ليست سحرية وقد تكون غير قابلة للتطبيق، فالحلول معقدة مثلها مثل المشاكل، لأن لها حدوداً وهي غير قابلة للتطبيق في سياق مختلف.

لنكون مهنيين ونصنع مادة إعلامية أو مواد إعلامية إيجابية يجب أن نعتمد على عدة ركائز في صحافة الحلول، أولها الاستجابة، والتي يجب ألا يقتصر على عرض ما أنجزه شخص ما أو منظمة ما إن كانت مبادرة أو اختراع أو حل آني لمشكلة متفاقمة، وإنما الاستجابة للمشكلة، وكيف تمت هذه الاستجابة.

وكذلك على التجربة، وتقتضي تقديم معلومات وتفاصيل تفيد بإمكانية إعادة تطبيق هذه الاستجابة أو التجربة، وليس فقط أخذ القصة على اعتبارها ملهمة ثم تصبح بعد مدة طي النسيان.

يضاف إليها الأدلة، والتي يجب تقديم أكبر عدد من الأدلة بخصوص هذه الاستجابة ونجاعتها (بيانات، معلومات، شهادات، تجارب،أمثلة) لضمان اتساع حدود الاستجابة.

وكذلك الحدود، حيث من الواجب مناقشة حدود الاستجابة لتجنب تضخيم نتائجها، فالتضخيم قد يأت بنتائج عكسية ويؤثر على مصداقية الوسيلة الإعلامية، إضافة إلى ذلك فإن حدود الاستجابة ستخبرنا بمدى نجاعة الحلول وإمكانية تطبيقها على نطاق أوسع.

مما سبق علينا أن نعرف من أين نبدأ؟

يمكن أن نبدأ تدريجياً في توظيف صحافة الحلول في عملنا من خلال تغيير نمط تفكيرنا ومن ثم التفكير في كيف نجعل القصة مهمة للجمهور (البحث عن طرق إشراك الجمهور).
بدل أن يقتصر تحليلنا لأي مشكلة على تحديد ما هي المشكلة؟ وما مدى فداحتها؟ ومن المسؤول عنها؟ سنضيف إلى ما سبق كل من الأسئلة التالية: من وجد استجابة له؟ كيف ذلك؟ ماذا فعل بالتحديد؟ هل ما فعله ناجع؟ كيف ذلك؟ ما حدود هذه الاستجابة؟ ما الذي يمكن أن نتعلمه منه؟ كيف نعيد تطبيقها؟

وكمثال على ذلك، في حالة أن بلدك يعاني من تغيرات مناخية تسببت بارتفاع درجات الحرارة بشكلٍ غير مسبوق، ويطلب منك رئيس التحرير أن تنجز تقريراً حول الموضوع، فعليك في هذه الحالة أن تفكر كيف سيكون تقريرك؟ ما هي الزاوية؟ ما هي المصادر التي ستتحدث عنها؟ ما هي الرسالة التي ستصل إلى الجمهور من خلال تقريرك؟ علينا فهم كيفية تغطية قضايا المناخ بشكل كامل، وتحويل تغطية المناخ من غير قابلة للحل ومروعة إلى قابلة للحل والتنفيذ والمشاركة من خلال تحفيز الأفراد والمجتمعات على اتخاذ إجراءات بشأن الحلول المناخية. إن سرد القصة كاملة في التغطية المناخية يشكل في حد ذاته حلاً أساسياً للمناخ.

لا تعني صحافة الحلول التقليل من المخاطر على المدى القريب، أو تغطية الحقائق، أو الحث على نتيجة معينة، بل يعني سرد القصة بشكل مكتمل، مشكلة وحل، ومساعدة الجماهير وصانعي السياسات في الحكومة على اتخاذ خيارات مستنيرة حول ما يجب القيام به في المستقبل.

يجد الجمهور القصص التي تركز على الحلول أكثر جاذبية من الصحافة التقليدية التي تركز على المشكلات، فضلاً عن أنها أكثر صلة بحياتهم. إذاً يحتاج قطاع الإعلام إلى التحول أيضاً، وتستحق الحلول أن تكون في صدارة تقاريرنا. لا تتعلق تقارير الحلول الجيدة بالتشجيع على هذا النهج أو ذاك، بل يتعلق الأمر بفحص وتقصي تلك الأساليب والحلول جيداً، لإعلام الجمهور وصناع القرار بما يجب فعله وما لا يجب.