شباب وشابات ينتظرون/ن فرص عمل تناسب طموحاتهم/نّ

نيكستوري/ سولنار محمد

“لا أظن أن الوضع سيزيد سوءاً عما هو عليه الحال الآن، ويمكنني القول إنني فقدت الأمل بأن أجد عملاً يتناسب مع طموحاتي في هذه البلاد” تقول فاديا سليمان (31 عاماً من ريف مدينة ديريك/المالكية) في وصفها لحالة العجز عن إيجاد فرصة للعمل منذ أكثر من عشر سنوات. 

درست فاديا الهندسة التقنية في جامعة حلب، إلا أن بدء الحرب السورية حال دون إتمامها التحصيل العلمي، وعادت إلى قريتها الواقعة على الحدود السورية التركية، ومن هناك، بدأت رحلتها المليئة بالصعوبات على حد وصفها، في البحث عن فرصة للعمل، إلا أن وجودها في الريف زاد من هذه الصعوبات، “مثلي مثل أي شاب وأية شابة، كنت أطمح لإتمام دراستي، ومن ثم العمل في مهنة تناسب طموحي، لكنني حتى الآن، لم أحقق أياً من ذلك، واستسلمت للأمر الواقع” تقول فاديا. 

في المقابل، يحظى الشبّان المقيمين في الأرياف بفرص أكبر من تلك المتاحة للفتيات بإيجاد فرص عمل في المدن، فقد بدأ ابراهيم عثمان (29 عاماً من ريف مدينة ديريك/المالكية) بمشروع خاص يقوم على توزيع شبكة الإنترنت في مدينة ديريك منذ أكثر من خمس سنوات، ويعمل جاهداً في استمرار وتطوير مشروعه، رغم جملة من التحديات والصعوبات التي تواجهه يومياً. 

وعن التحديات، يقول ابراهيم إن حالة عدم الاستقرار الأمني، وظهور التهديدات بين الحين والآخر، يسبب مخاوفاً لديه من عدم القدرة على الاستمرار في العمل، كما أن عدم استقرار سعر الصرف يؤثر سلباً على سير العمل، كونه يقوم بشراء باقات الإنترنت بالدولار الأميركي، في ظل عدم قدرة المشتركين/ات على سداد الفواتير المترتبة عليهم/نّ بسبب سوء الوضع المعيشي، إلى جانب سوء خدمة شبكة الإنترنت الذي يضعف ثقتهم/نّ بالعاملين/ات في هذا المجال. 

لا تتوقف صعوبات إيجاد فرص العمل والاستمرار به لدى الشباب والشابات المقيمين/ات في الأرياف، ففي المدن أيضاً، تقل فرص العمل المتناسبة مع طموحات الفئة الشابة، بحسب ما توضحه آرجين حسن، وهي طالبة في المرحلة الجامعية، وتعمل في التسويق، حيث ترى أن فرص العمل المتوفرة لا تمثل سوى 20% مما تطمح إليه، وذلك بسبب صعوبة إيجاد عمل يتوافق وقته مع ساعات الدراسة، إلى جانب عدم تكافؤ الأجور مع ما تتطلبه الدراسة الجامعية من تكاليف مادية. 

تتشابه معاناة الشباب والشابات في منطقة الجزيرة بما يتعلق بإيجاد فرص عمل مناسبة، ففي استبيانٍ أجرته منظمة نيكستيب، استهدفت فيه 237 شاب وشابة في منطقة الجزيرة بشمال شرقي سوريا، فقد تبين أن 55.3% منهم/نّ يعملون/ن، في حين أن 44.7% عاطلون/ات عن العمل. 

وعن مدى الصعوبات التي تواجهها هذه الفئة في البحث عن العمل، فقد تبين من خلال الاستبيان أن 89.5% يواجهون صعوبات كبيرة في إيجاد فرص عمل، بينما 87.1% منهم/نّ لم يتمكنوا/نّ من إيجاد فرص عمل تناسب طموحاتهم/نّ. 

الهجرة وفقدان الثقة بالنفس أول الآثار المترتبة على غياب فرص العمل للفئة الشابة

في الاستبيان نفسه، فقد تبيّن أن 70% من المبحوثين/ات يرون/ين أن الهجرة من أكثر الآثار المترتبة على عدم وجود فرص العمل، في حين أن 53.3% وجدوا/ن أن الشباب والشابات يتعرضون/ن لضغوطات مجتمعية ونفسية بنسبة أكبر في ظل غياب هذه الفرص، بينما وجد/ت 29% منهم/نّ أنه من الآثار المترتبة على غياب هذه الفرص هي فقدان ثقتهم/نّ بأنفسهم/نّ. 

وينعكس غياب فرص العمل في منطقة الجزيرة على الفئة الشابة ويقلل من حالة الانتماء لديهم/نّ، وذلك ما يظهر جلياً في تزايد موجة هجرة الفئة الشابة بين الحين والآخر، إذ يقول ابراهيم إن غياب فرص العمل يدفع بالشباب والشابات إما إلى الانخراط بالقوات العسكرية، أو الهجرة إلى الخارج بحثاً عن العمل، وفي أسوأ الأحوال، فإنهم/نّ يعملون/ن في مهنٍ لا تتناسب مع طموحاتهم/نّ، ما يزيد من الضغوط النفسية عليهم/نّ. 

من جانبها، ترفض فاديا فكرة الهجرة في الوقت الذي لم تحقق فيه أياً من طموحها، وتؤكد أنه فيما إذا سنحت لها الفرصة لإيجاد عمل يناسبها، فإنها تفضّل البقاء والفاعلية في مجتمعها، في رغبة منها بتحقيق الذات في بلادها. 

أما آرجين، فإنها ترى بأن الفئة الشابة تضطر في كثيرٍ من الأحيان إلى التخلي عن الأحلام التي تنوي تحقيقها، وذلك في ظل غياب الدعم اللازم لهم/نّ، إلى جانب غياب فرص العمل التي تساعد الشباب والشابات حتى يكونوا/نّ فاعلين/ات ومؤثرين/ات في محيطهم/نّ. 

محاولاتٌ كثيرة ولا زالت فرص العمل غائبة لآلاف الشباب والشابات

يرى زانا داوود المدير التنفيذي لمنظمة وايت هوب/White hope، أن لمنظمات المجتمع المدني دورٌ بارز في المساهمة بتأهيل وتدريب الفئة الشابة للانخراط في سوق العمل التي قد تزيد من فرص حصولهم/نّ على العمل، ولكن في الوقت نفسه، يجد زانا أن هذه المنظمات لا تستطيع القضاء على البطالة بمفردها، إذ أن توفير الفرص الكافية للعمل يتطلب السماح وتقديم التسهيلات لدخول الشركات الدولية الربحية إلى جانب الاستثمار في المنطقة. 

وأوضح زانا أن منظمة وايت هوب نفذت العديد من الورش التدريبية المجانية، والتي استهدفت الفئة الشابة لاسيّما الطلاب/الطالبات وخريجي/ات الجامعات، بهدف تمكينهم/ن وتأهليهم/ن بما يساعدهم/نّ في إيجاد فرص عمل مناسبة لهم/ن.

يعمل زيد عثمان مديراً لشركة “كويك ديليفري” وهي شركة معنية بتوصيل الطلبيات المختلفة إلى أهالي مدينة قامشلي، والتي بدأت العمل منذ ما يقارب من أربع سنوات.

يقول زيد إن الشركة أتاحت الفرصة لتأمين العمل لـ 40 شاب في المنطقة، ولكن ضعف التمويل لتوسيع الشركة إحدى أهم الصعوبات التي تواجههم، إضافةً إلى ضعف الاستجابة من قبل الجهات المعنية لمتطلباتهم، وذلك فيما يخص استخراج التراخيص أو الحصول على بعض الامتيازات الخاصة بطبيعة عملهم، على حد قوله. 

من جانبها، أوضحت مريم الإبراهيم الرئيسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في شمال وشرق سوريا في تصريحها لـ نيكستوري أن عدد الموظفين/ات من الفئة الشابة قد بلغ 1141 شاب وشابة ضمن المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية، كما أنهم/نّ قاموا/ن بتسجيل 5256 طلب للتوظيف، في انتظار توفير فرص عمل لهم/نّ.  

تنسيق وتشبيك بين الأطراف الفاعلة .. أحد أبرز الحلول للقضاء على بطالة الفئة الشابة

إن التشبيك والتعاون بين منظّمات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية في الإدارة الذاتية من أبرز الحلول التي من شأنها المساهمة في زيادة فرص العمل للشباب والشابات، وذلك من خلال دراسات احتياجات الفئة الشابة، وتوفير الفرص وفق هذه الاحتياجات، وفق ما تراه آرجين. 

أما فاديا فإنها ترى الحل في إفساح المجال أمام تنفيذ المشاريع الاقتصادية التي تستوعب أعدادً كبيرة من الشباب والشابات، إلى جانب ضرورة وجود خطة استراتيجية لدى الإدارة الذاتية لتنفيذ المشاريع التي من شأنها القضاء على بطالة الشباب والشابات. 

من الضروري أن يتم دعم أصحاب/صاحبات المشاريع الصغيرة، وذلك من خلال منح القروض لتنفيذ هذه المشاريع، إضافةً إلى تسهيل الإجراءات لأصحاب وصاحبات الأموال والشركات لتنفيذ المشاريع الكبيرة في المنطقة، والتي من شأنها توفير فرص عمل لأعداد كبيرة من الشباب والشابات، هي جملة الحلول التي يرى إبراهيم أنه من شأنها المساهمة في حل المشكلة.

في سياقٍ متّصل، يرى زيد أن الحل يكمن في زيادة برامج التمكين للفئة الشابة، وتوفير ورش تدريبية متنوعة في المجالات العلمية والمهنية، وإشراك الشباب والشابات في تصميم المشاريع والمبادرات وتنفيذها، كما أنه يتطلب من الإدارة الذاتية رفع متوسط الأجور في المؤسسات التابعة لها، وتطبيق التسلسل الإداري السليم للمناصب، وتفعيل “قانون العاملين” بشكل فعلي.

وفيما يتعلّق بما تخطط له الإدارة الذاتية لتوفير فرص عمل للفئة الشابة، فقد بينت مريم أن الإدارة الذاتية زادت الاهتمام بتعزيز قدرات الفئة الشابة في المجال العلمي والتربوي والصناعي، وذلك من خلال تفعيل المدارس الثانوية والجامعات، مشيرةً إلى أنهم/نّ بصدد عقد المؤتمر الأول لذوي/ات الاحتياجات الخاصة في أكتوبر/تشرين الأول القادم، وتخصيص جزء منه للاهتمام باحتياجات الفئة الشابة منهم/نّ. 

في استبيان آخر وأكثر شمولية حول هموم وقضايا الفئة الشابة، قامت منظمة نيكستيب مؤخراً باستهداف 800 شاب وشابة، تبيّن فيها أن 93.1% من المبحوثين/ات يشعرون/ن بالقلق والتوتر تجاه المستقبل والتخطيط له، في حين أن 71.8% يرغبون/ن في الهجرة، ويلعب الوضع الاقتصادي عائقاً أمام 75.3% منهم/نّ لعدم الهجرة حتى الآن.