عليا محمد – نيكستوري
“المجتمع لا يرحم المرأة التي قررت الانفصال عن زوجها”، تتحدث رنا (اسم مستعار لامرأة منفصلة عن زوجها من مدينة ديريك/المالكية، وتبلغ من العمر 30 عاماً) عن تجربتها الشخصية التي خاضت فيها تجربة الانفصال عن زوجها، والتي عايشت خلالها معاناةً كبيرة مع إطلاق الأحكام عليها، عدا عن نظرات الشفقة لها.
تكمل رنا حديثها لـ نيكستوري بالقول “المجتمع يحكم على أية امرأة منفصلة بأنها شخص سيّء، كما أنه يتعامل مع الطلاق على أنه أمر غير مقبول، كل ذلك إلى جانب انتظار أي فعل من المرأة المنفصلة عن زوجها، للحكم عليها والتعامل معها على أنها شخص منبوذ”.
أمّا مريم (امرأة منفصلة عن زوجها من مدينة قامشلي، وتبلغ من العمر 45 عاماً)، فإنّها تؤكّد أن الاتهامات الأخلاقية تلاحق النساء المنفصلات أينما اتجهن، وذلك ما يتسبب بتحكّم عائلاتهن بكافة تحركاتهن وتصرفاتهن، وتضيف “المجتمع يحكم بالسوء على المرأة المنفصلة عن زوجها، ما يقلل من قيمتها في الوسط المحيط بها”، وتضيف مريم “حتى الآن يتحكم والدي وأشقائي بكل خطوة أخطوها حتى لو كانت تلك الخطوة هي الذهاب للتسوّق”.
النساء المنفصلات في مواجهةٍ مع الأحكام المجتمعية والنظرة الدونية
على الرغم من أن النساء المنفصلات عن أزواجهنّ يواجهن ضغوطاتٍ مجتمعية كبيرة، إلا أن البعض منهنّ أصبحن أكثر قوّة، وعلى درايةٍ بحقوقهنّ في الوقت الحالي، وذلك بعد بروز دور منظّمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق النساء، وتنفيذ بعض المشاريع القائمة على تمكين النساء نفسياً ومجتمعياً، وفق رأي نيروز عليكا التي تعمل كمعالجة اجتماعية في مركز جيان لحقوق الإنسان.
وتشير نيروز إلى أن العادات والتقاليد والموروث المجتمعي لها دور كبير في التحكم بقرارات النساء، إلا أن استقلالهن اقتصادياً من شأنه تقليل دور تلك العوامل وزيادة مساحة الحرية لديهن في اتخاذ القرارات التي تخصهن.
في سياقٍ متصل، وفي الوقت الذي يتملّك النساء الخوف من البوح بتجاربهن في الانفصال، وذلك خوفاً من أن يلحق بهنّ وصمٌ اجتماعي، فإن سعاد الأحمد من ساكنات مدينة حسكة، قد تغلبت على هذا الخوف، وتحدثت أمام نساءٍ أخريات عن تجربتها في الانفصال، وذلك خلال مشاركتها في إحدى الجلسات التدريبية التي نظمتها إحدى المنظمات المحلية في المدينة.
تتحدث سعاد لـ نيكستوري عن السبب الذي دفعها لزواجٍ غير ناجح، وتشير إلى أن الكثير من الفتيات ممن تجاوزت أعمارهن 25 عاماً دون أن يتزوجن، يتعرضن لضغوطاتٍ مجتمعيّة كثيرة من الوسط المحيط.
تكمل سعاد قولها “قبل أن أتزوج، كنت أسمع الكثير من الجمل من قبيل “لِمَ لَمْ تتزوجي حتى الآن؟، أنتِ الوحيدة التي بقيتي دون زواج”، الأمر الذي دفعني إلى اتخاذ القرار بالزواج الذي لم أتمكن من إكماله”.
ولا تُعتبر سعاد المرأة الوحيدة التي عانت من النظرة المجتمعية الدونية لها كامرأة لم تتزوج رغم بلوغها السن النمطي المجتمعي للزواج، فقد عايشت حنان ابراهيم (فتاة عشرينية من مدينة ديريك/المالكية) التجربة ذاتها، والتي ترى أن للمجتمع دور كبير في اتخاذ النساء لقراراتٍ غير صائبة تمس حياتهنّ الشخصية، وذلك ما تعتبره عنفاً مضاعفاً ضد النساء.
تضيف حنان “للمجتمع دور كبير في اختيارنا لشريك الحياة، والذي يجب أن يتمتع بصفات تجعله مقبولاً اجتماعياً، من قبيل أن يكون من قومية معينة أو حتى عشيرة معينة، عدا عن ذلك، فإن النساء اللواتي يصلن لعمرٍ محدد دون أن يتزوجن، يتغلب عليهن الخوف من وصم ـ”العانس”.
نساءٌ أفقدن الوصم الاجتماعي قيمته وأخرياتٌ لا زلن متأثراتٍ به
في ظل المعاناة التي تعيشها النساء المنفصلات في مجتمعات شمال شرقي سوريا، أصرّت سعاد الأحمد على مواجهتها جميعاً، واتخذت القرار الذي وجدته مناسباً لها، وهو الانفصال عن زوجها بعد أن اكتشفت “خيانته” لها، موضّحة ذلك بقولها:
“تلقّيت خبراً مفاده أن زوجي قد تزوّج من أخرى وأنجب منها طفلة، حينها قررت طلب الانفصال منه، وأذكر أن كل من حولي طلبوا مني التريث قبل أن (أدمّر أسرتي وبيتي)، لقد عشت حينها أصعب اللحظات في حياتي، وما دفعني للتمسك بقراري هو رد زوجي بأنه ليس الرجل الأول ولن يكون الأخير ممن يتزوجون مرة ثانية”.
من جانبه يشير المعالج النفسي دلجان حسين إلى أن المرأة التي تخوض تجربة الانفصال، تعيش حالةً نفسية صعبة، حيث تتسبب النظرة المجتمعية السلبية لها بدخولها حالةً من الانعزال، إلى جانب فقدانها الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة الحياتية، ويتركّز اهتمامها بالوسط المحيط أكثر ما يتوجب عليها الاهتمام بنفسها، من وجهة نظر دلجان.
وتضيف نيروز أنها بدأت تلاحظ تغييراً في حالة النساء المنفصلات عن أزواجهن مؤخراً بقولها “كثيراً ما أرى نساءً ممن عايشن تجارب زواجٍ سيئة، وتحسّنت حالتهن بعد الانفصال، بتنَ يتشاركن تجاربهن مع نساءٍ أخريات ممن يتعرضن للعنف الجسدي والاقتصادي والصحي، معتبراتٍ أنهن قصص نجاحٍ، دون الالتفات إلى نظرة المجتمع بأن الانفصال أمرٌ خاطئ”.
انفصالٌ تلته حياةٌ جديدة دون معاناة
في الوقت الذي تخشى فيه الكثير من النساء من اتخاذ قرار الانفصال عن أزواجهن، نتيجةً للوصم الاجتماعي الذي قد يلحق بهن، اتّخذت سعاد قرار الزواج مرة أخرى بعد انفصالها، وأسست أسرةً جديدة مع زوجها الذي يقدّرها ولا يولي اهتماماً لرأي المجتمع، على حد قولها.
تقول سعاد “واجهنا صعوباتً ومشاكل كثيرة، فقد رغب المقرّبون من زوجي أن يتزوج بامرأةٍ عزباء، إلا أنه قرر التمسك بي، ولم يأبه لرأي من حوله، وتزوجنا ونعيش الآن أنا وزوجي وابنتي معاً.
“إن تمكّنت المرأة المنفصلة من إثبات ذاتها، فإن نظرة المجتمع لها ستغيير شيئاً فشيئاً، لاسيّما أن الكثير من العادات والتقاليد والموروثات المجتمعية تحتاج للوقت حتى يتم التغلب على تأثيرها، وفي الوقت الحالي، فإن هناك حاجة ماسّة لتلقي النساء للدعم النفسي والاجتماعي، حتى تصبحن على درايةٍ أكبر بنقاط قوّتهن”، تقول نيروز.
تُعتبر سعاد نموذجاً للنساء اللواتي تمكّنّ من اتخاذ قرارات تناسبهن، والبدء برحلة حياة جديدة متغلباتٍ فيها على التأثير السلبي لنظرة الوسط المحيط بهنّ في محاولةٍ لكسر الصورة النمطية عن النساء المنفصلات، ويرى دلجان أنه من الضروري أن تقوم المرأة المنفصلة بالابتعاد عن الضغوطات، والبحث عن مصادر تقدِّم الدعم النفسي، معتبراً أن عمل المرأة هو ما سيخفف عنها أي تأثير سلبي من الوسط المحيط بها.