تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع العدالة المناخية الذي نفذته كل من منظمتَيّ نيكستيب وأمل الفرات ومنصة نيكستوري
فريق نيكستوري
“لم أعي أن نقلي لكميات كبيرة من المياه إلى حيث أقطن، سيتسبب بخسارتي لأجنّتي الإثنين، وأنا في الشهر السابع من الحمل.”، تقول آمنة هلال (20 سنة من مدينة سري كانيه/رأس العين)، وتوضّح أنهم/نّ يعانون/ين من صعوبة تأمين المياه في المخيم، لذا فقد كانت تضطر لقطع مسافات طويلة للوصول إلى نبع متواجد خارجه لجلب المياه.
استمر الأمر مذ كانت آمنة في الشهر الثالث من الحمل وحتى السابع حيث كانت نهايته، وذلك حين اضطرت لحمل ما يزن 20 كيلوغراماً من المياه لثلاث مرات يومياً، الأمر الذي أدى إلى حدوث نزيف تسبب بموت الأجنة التوأم.
هذه المعاناة لا تعيشها آمنة فقط، بل هي معاناة مشتركة ويومية تعيشها النساء داخل مخيم نوروز بريف مدينة ديريك/المالكية، فهنّ في الغالب مسؤولات عن تأمين احتياجات عوائلهنّ من المياه، كما هو الحال لدى فاديا ابراهيم (23 عاماً من ريف بلدة تل تمر) التي تقطن المخيم ذاته.
“أضطر لجلب المياه من مسافات بعيدة، حتى باتت مفاصلي تؤلمني، وتضررت صحتي الجسدية، حيث أقوم بجلب كميات كبيرة من المياه في دفعةٍ واحدة، حتى لا أضطر لقطع المسافة الطويلة ذاتها أكثر من مرة،” تقول فاديا، وتضيف أن انقطاع المياه هو أكثر نتائج التغيرات المناخية تأثيراً على أجسادهن من الناحية الصحية.
ويضم مخيم نوروز نازحين/ات من مدينتي سري كانيه/رأس العين وتل أبيض بعد سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على المدينتين في العام 2019، وتقطن فيه 1172 امرأة، كما يقطن فيه 921 رجلاً، بحسب إدارة شؤون المخيمات في شمال شرقي سوريا.
وعن مفهوم التغيّرات المناخية، تقول روزا جهماني (باحثة مهتمة بتغيّر المناخ، وحاصلة على شهادتيّ ماجستير في المخاطر البيئية وإدارتها)، إنها عملية بدأت منذ عقود، وتعود في أسبابها إلى الأنشطة والسلوكيات البشرية، وذلك من خلال انبعاث الغازات الدفيئة، أي أنه لدى احتراق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة أو قيادة المركبات، أو تغذية الصناعات، تُصدَر غازات دفيئة تساهم في حبس حرارة الغلاف الجوي، على حد قولها.
وتضيف روزا التي حدّثتنا عبر وسيلة تواصل اجتماعي من فرنسا، أن جملة العوامل المذكورة، تسبب ارتفاعاً عالمياً في درجات الحرارة، كما أن إزالة الغابات بغرض الزراعة أو العمران، تقلل من قدرة الكوكب على امتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
ويفيد أحد التقارير حول أثر التغيرات المناخية، أن النساء يمثّلن نسبة عالية من المجتمعات الفقيرة، والتي تعتمد على الموارد الطبيعية المحلية لكسب رزقها، ولاسيّما في المناطق الريفية، حيث تتحمل النساء مسؤولية إمداد عوائلهنّ بالمياه المنزلية والطاقة اللازمة للطهي والتدفئة، فضلاً عن الأمن الغذائي.
مشكلات صحية واقتصادية تعايشها النساء جرّاء التغيرات المناخية
“لم أشعر بالخوف يوماً بقدر ما شعرت به حين نزفت لأول مرة، وأسعفتني والدتي إلى الطبيبة المختصة التي أخبرتنا أني بلغت مبكّراً بسبب الهواء الملوث في حيّنا، كان عمري حينها 11 عاماً.” تقول سناء المحمود (13 عاماً من ريف بلدة تل كوجر/اليعربية).
تعيش سناء في منزل يبعد عن إحدى الحراقات البدائية مسافة لا تتجاوز 2 كيلومتر، وتجاورها مدرستها في الطرف الآخر، وكانت الغازات المنبعثة من هذه الحرّاقة سبباً لأن بلغت سناء في عمرٍ مبكر، الأمر الذي حرمها من أن تعيش طفولتها كما ترغب.
“تضررت حالتي النفسية كثيراً، لأنني الوحيدة التي عايشت مرحلة البلوغ بين صديقاتي، ولم أعد ألعب معهنّ في الخارج، كما أجبرتني عائلتي على ارتداء الأثواب الطويلة منذ أن بلغت.”
أما فاطمة التي لم ترغب بالإفصاح عن اسمها الحقيقي (امرأة عشرينية تقطن مخيم نوروز وحامل في الشهر السابع)، فقد تم نقلها إلى المستشفى ثلاث مرات خلال فترة حملها، نتيجة درجات الحرارة المرتفعة في ظل انقطاع المياه، وكانت فاطمة تقطن في منزلٍ بالأجرة في مدينة ديريك/المالكية، إلا أن سوء الوضع الاقتصادي أجبرها على الانتقال للعيش في المخيم، مما ضاعف من سوء وضعها الصحي.
تقول مروة محمد الاختصاصية في أمراض النساء، إن التغيّرات المناخية تترك أثراً مضاعفاً على النساء مقارنةً مع ما تتركه من أثرٍ على الرجال، لاسيّما الحوامل منهنّ، حيث تواجه النساء فترات الحيض والحمل والولادة، التي تؤثر بدورها على مناعة أجسادهن، ما يجعلهن بحاجة ماسّة إلى محيط ملائم لطبيعتهنّ الفيزيولوجية.
وتضيف مروى أنها عاينت نساء كثيرات، ممن عانين جرّاء ارتفاع درجات حرارة الجو، من الجفاف والوهن وسوء التغذية نتيجة التغيّرات المناخية، وخاصة الحوامل ممن هنّ بحاجة إلى غذاء جيد ومناخ ملائم، وإن غياب هذه العوامل من شأنه التأثير على الحالة الصحية للأم والجنين.
وفي تقريرٍ يعود إلى الأمم المتحدة، يتضّح أن تغيّر المناخ يقوّض العديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، من قبيل سبل العيش، والمساواة وإتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي، كما تؤثر مخاطر تغيّر المناخ على صحّة أكثر الفئات ضعفاً وحرماناً، بما فيهم/نّ النساء والأطفال/الطفلات، والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة، وغيرها من الفئات التي تعاني من ظروف صحية كامنة.
لا يقتصر تأثير التغيرات المناخية على صحة النساء فقط، فقد تضررت بعضهن اقتصادياً حين فقدن أعمالهن نتيجة ما خلّفته التغيرات المناخية. ذلك ما عايشته سارة الأحمد المنحدرة من ريف مدينة الرقة، وتقول سارة إنها اضطرت إلى مغادرة الريف إلى المدينة، نتيجة انخفاض مستوى نهر الفرات الذي أثّر بدوره على القطاع الزراعي، الذي عملت به سارة مع عائلتها منذ سنواتٍ طويلة.
“لم أعمل يوماً سوى بالزراعة، وحين اضطررت إلى مغادرة قريتي، كانت المدينة تحدّياً كبيراً، والبحث عن عمل جديد مهمة شاقة لا زلت أقوم بها.”
إن مواجهة تغيّر المناخ، والتخفيف من أثره، يحتاج إلى الاستمرار في العمل لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة على الصعيدين العالمي والمحلي، وتقديم الدعم المالي والتكنولوجي للدول الأكثر عرضة للمخاطر، بحسب روزا الباحثة في مجال التغيّر المناخي.
وتضيف روزا أن الأمر يستدعي أيضاً العمل على بناء بنية تحتية مثل السدود والسواتر وأنظمة التصريف الصحي، والمباني المقاومة للكوارث، إلى جانب التأمين الزراعي لحماية الفلاحين/ات من فقدان المحاصيل، لضمان أمنهم/نّ المالي، كما أن الوعي بمخاطر تغيّر المناخ، يجب أن يتحوّل إلى وعي فردي ومجتمعي، وذلك عبر برامج تدريبية متخصصة، إلى جانب العمل على الاكتفاء الذاتي، والحفاظ على الموارد المتاحة، وإعادة تدويرها.
بقعة ضوء وسط ظلام التغيرات المناخية
تقوم مها الأحمد (30 سنة من مدينة سري كانيه/ رأس العين) بسقاية عدد من الأشجار والأزهار المحيطة بخيمتها ضمن مخيم نوروز، في محاولةٍ منها للحصول على هواءٍ نقي، وذلك في ظل قرب مكب النفايات من خيمتها.
وفي الجانب الآخر من ريف مدينة ديريك/المالكية، تقوم كُلي علي (62 عاماً من ريف المدينة)، بتنظيم وفرز النفايات في منزلها، رغبةً منها في التخلص من هذه النفايات بطريقةٍ لا تضر بالبيئة، حيث تقوم بعزل النايلون عن الأطعمة، وكذلك الأمر فيما يخص النفايات من العلب المعدنية والزجاجية.
“أقوم بفرز نفايات البلاستيك، وأمنحها لمن يقومون ببيعها للمعامل، وأقوم باستخدام نفايات الأطعمة في إطعام الحيوانات، وبذلك تخرج كميات قليلة من النفايات من منزلي.”
إن رفع الوعي لدى النساء وتزويدهنّ بمهاراتٍ من قبيل تعليم التقنيات الزراعية، وكيفية الاحتفاظ بالمياه، وتنويع الزراعات، واستخدام بذور مقاومة للجفاف، أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق التكيّف مع التغيرات المناخية، وخاصّةً أولئك الأشخاص ممن يعانون/ين الأثر المضاعف في البلدان النامية، على حد قول روزا.
حتى الآن، لم يتم سن قوانين تمنع وجود المعامل والمصانع النفطية بالقرب من الأماكن السكنية في منطقة الطبقة، بحسب ما توضّحه هبة عبد الرزاق الخلف، الرئيسة المشتركة لهيئة البيئة في الطبقة، إلا أنها ترى أن وجود النساء في مراكز صنع القرار قد يُحدث تغييراً لهذه القوانين مستقبلاً.
وفي تقريرٍ للأمم المتحدة، تبيّن أن النساء كنّ من أوائل مَن تنبّؤا/نّ بالتقنيات الزراعية الجديدة، كما أنهنّ استجبن سريعاً عند وقوع الكوارث، وهنّ صانعات القرار في المنازل بشأن الطاقة والنفايات، لذا فقد اتضّح أن العمل المناخي لن ينجح ما لم يشمل النساء.