حاجةٌ ماسّة لرفع الوعي في التعامل مع الأطفال/الطفلات المصابين/ات بالسرطان

نيكستوري – عليا محمد

حادثٌ صغير، استدعى إسعافه إلى المستشفى وإخضاعه لبعض الفحوص العامة، كان بدايةً لرحلة صعبة في العلاج من مرض السرطان. 

كان أحمد (اسم مستعار/15 عام) قبل عامٍ من الآن، يعيش حياةً طبيعية حاله كما حال باقي أصدقائه في مدينة حسكة، إلى حين تعرّضه لحادثٍ صغير مفاجئ، خضع على إثره لبعض الفحوصات التي كشفت إصابته بسرطان الدم أو ما يُعرف بـ “اللوكيميا”. 

وعند اكتشاف إصابته بالمرض، بدأت رحلة علاج أحمد التي كانت مليئة بالآلام الجسدية والنفسية.. لم يكن يعيش المعاناة لوحده، فقد امتدّت الأزمة النفسية إلى عائلته بأكملها.

بحسب تقرير لـ “منظّمة الصحة العالمية”، فإن ما يقارب من 400 ألف طفل/ة يصابون/ن بمرض السرطان سنوياً، وتتراوح أعمارهم/نّ بين السنة وصولاً إلى 19 سنة، كما أن أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الأطفال/الطفلات، هو سرطان الدم “اللوكيميا”، وسرطان الدماغ، والأورام اللمفاوية، والصلبة، مثل الأورام العصبية وغيرها.  

عدم مصارحة الطفل/ة المصاب/ة بحقيقة المرض .. يزيده تعقيداً

لم يكن العلاج أمراً مقبولاً لدى أحمد في بداية المرض، حيث كان العلاج مكثّفاً في الشهور الستة  الأولى من المرض، لاسيّما أنه ترافق بأعراضٍ جانبية عدّة، من قبيل فقدان الشهية، وحدوث آلام شديدة في أعضاء مختلفة في جسده، أفقدته القدرة على النوم أحياناً، بحسب ما أوضحته سعاد (اسم مستعار لوالدة أحمد). 

إن الأمر الذي ضاعف من شدة تأثير المرض على أحمد، هو عدم مصارحته بحقيقة ما أصابه من قِبَل والدَيه، فقد قاما بإخباره أنه يتوجه إلى دمشق لتلقّي العلاج من مرضٍ جرثومي ألمّ به، الأمر الذي أشعره بغرابةٍ عند رؤية أطفال وطفلات في مركز العلاج، ممن فقدوا/ن شعرهم/نّ، أو ظهرت عليهم/نّ بعض الأورام في أجسادهم/نّ، وبدأ يكرر السؤال عن سبب وجوده في هذا المركز. 

“حين رأى ابني لائحةً معلّقةً على أحد جدران المركز، وقد كُتِبَ عليها “مرض السرطان”، حينها علِمَ حقيقة مرضه، كانت ردة فعله عنيفة، رفض تناول الأدوية، وأصرّ على العودة إلى إخوته.”، تقول سعاد وتضيف أن شدّة الألم جعلته يتراجع عن رفضه، حتى يتخلص من آلامه. 

في هذا الصدد، تقول الاختصاصية النفسية رميزة الشيخ، إنّ أحد السلوكيات التي يجب تجنبّها هو إخفاء حقيقة الإصابة بالمرض عن الطفل/ة المصاب/ة، أو تجنّب الحديث عنه، حيث يساهم إخبار الطفل/ة بذلك في بناء الثقة بين الطرفين، في ظل احتياج أي طفل/ة من أية فئة عمرية كانت لمعرفة ما يحيط به/ها بشكلٍ واضح وبسيط ومنطقي بالنسبة له/ها. 

وتوضّح رميزة الأمر بأن الطفل/ة يعتمد/تعتمد على مخيّلته/ها لتكوين الإجابات حول الأسئلة التي لا يجد/تجد لها إجابة من قبل والدَيه/ها، لذا فإن احتمالية بناء سيناريو أسوأ في مخيّلته/ها تزيد أكثر، لذا فإن مصارحة الطفل/ة بالحقيقة، تزيد من الثقة والاطمئنان، وتقلل من نسبة الخوف والتوتر لديه/ها. 

المجتمع المحيط يلعب دوراً في تأثير السرطان على الأطفال/الطفلات

كثيراً ما يواجه/تواجه الطفل/ة المصاب/ة بالسرطان، تعاملاً غير طبيعي من المحيطين/ات به/ها، الأمر الذي يؤثّر سلباً على الحالة النفسية له/ها في كثيرٍ من الأحيان، وأكثر ما كان يؤلم أحمد وعائلته، نظرات الشفقة والاستغراب ممن كانوا/نّ يحيطون/ن بهم/نّ. 

“عند وجودنا في المستشفى، كان الأمر طبيعياً، فالكل هناك يمر بنفس الحالة، لكن لدى عودتنا، فقد كان صاحب البقالية، وجيراننا في الحي، وصولاً إلى المارّة، ينظرون لابني نظرات مليئة بالشفقة والاستغراب؛ لقد تأثر كثيراً بذلك، وأخبرني أنه يرغب بالموت.”

من جهتها، توضّح رميزة أن إصابة الطفل/ة بالسرطان يعرّض الوالدَين للتوتر، والقلق، وقد يصلان إلى حالة من الانهيار العاطفي، الأمر الذي يزيد من حالة الطفل/ة المصاب/ة تعقيداً، وإضفاء هذه الحالة إلى جو الأسرة ككل.

وتشير رميزة إلى أنّ الخطوة الأولى نحو تحسين الحالة الأسرية، تكمن في رفع وعيهم/نّ باستراتيجيات كيفية إدارة المشاعر، حيث يُعتبر الهدوء والأمل أمرٌ مساعد لتحسين الحالة النفسية للطفل/ة، لذا فمن الضروري التفكير في كيفية التعامل مع أفراد الأسرة في الظروف العصيبة، والتحدّث مع الطفل/ة يشعره/ها بالتحسن، أما الخطوة الثانية فإنها تكمن في تقييم سلوك الوالدَين الذي يعتمد الطفل/ة عليه لإدارة مشاعره/ها.

في الوقت الذي كان يعاني فيه أحمد من نظرات الشفقة والآلام الجسدية والنفسية الشديدة، كانت تواجه أسرته معاناة إضافية، سواءً في تأمين تكاليف العلاج الباهظة، أو حتى تعلّم كيفية التعامل معه، لاسيّما أن إصابته بالمرض كانت حدثاً مفاجئاً غيّر من طبيعة حياة العائلة ككل.

“أثّر مرض أحمد على العائلة بأكملها، بدءاً من تضررنا نفسياً، حيث عانى والده من حالة نفسية سيئة، ولم تتمكن شقيقته من التفوّق في دراستها، بينما انقطع طفلي الصغير عن مدرسته لسنة كاملة بسبب انشغالي بعلاج أحمد في دمشق.” تقول سعاد وتضيف أن المعاناة امتدت إلى الإنهاك المادي للعائلة التي لم تكن لتمكن من علاج طفلها لولا مساعدة الأهل والمعارف. 

صعوباتٌ جمّة تواجهها عوائل الأطفال/الطفلات المصابين/ات بالسرطان

إنّ الكثير من العوائل لا تتوقع إصابة أحد/إحدى أطفالها/طفلاتها بمرض السرطان، لذا فإن الوعي بالتعامل مع الحالة غائبة بشكل شبه تام، وذلك ما عايشته عائلة أحمد بالفعل، حيث تقول والدته إنها أصيبت بحالةٍ من الصدمة لدى سماعها نبأ إصابة ابنها بالمرض أوّل مرة، فهي لا تعرف عن المرض شيئاً، ولا حتى عن إمكانية وطرق العلاج منه.

وتؤكّد منظمة الصحة العالمية أن السرطان هو أحد الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال والمراهقين/ات، ويعتمد بقاء المصابين/ات به على قيد الحياة، على البلد الذي يعيشون/ن فيه، حيث يُشفى ما يقارب من 80% من الأطفال/الطفلات المصابين/ات بالسرطان، وفي المقابل، يُشفى أقل من 30% من الأطفال/الطفلات المصابين/ات به في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. 

وتشير المنظمة في التقرير نفسه، إلى أن التشخيص المبكّر يشمل وعي الأسر ومقدّمي/ات الرعاية الأولية بالأعراض، إلى جانب تقييم المرض سريرياً وتشخيصه في الوقت المناسب، وتحديد مرحلته، بالإضافة إلى إمكانية إتاحة العلاج بشكلٍ فوري. 

إن الأطفال/الطفلات في شمال شرقي سوريا، ممن أصيبوا/ن بمرض السرطان، يواجهون/ن صعوباتٍ كثيرة أثناء فترة العلاج، فهم/نّ في مواجهة مشقّة السفر إلى دمشق لتلقّي العلاج، في ظل افتقار المنطقة إلى مراكز خاصة لعلاج تلك الحالات، عدا عن التكاليف المالية جرّاء غلاء أسعار الجرعات وصعوبة توفّرها، بحسب ما توضّحه يارا خليل الإدارية في جمعية أمين لدعم أطفال وطفلات السرطان.

“أنا لا أتقن الكتابة والقراءة، لذا حين أعطاني الطبيب المعالج في دمشق مجموعةً من الأدوية، وقعتُ في حيرةٍ من أمري؛ كيف سأتمكن من اتّباع التعليمات؟ إن أيّ خطأ سيودي بحياة ابني، كانت المسؤولية الملقاة على عاتقي كبيرة جداً.”، تقول سعاد مشيرة إلى أنّها تكبّدت ضغطاً هائلاً كي تستمر في علاج ولدها.