نيكستوري – عليا محمّد
“حتّى اللحظات الأخيرة لوجودي في مدينتي، كنت أُقنع نفسي بأنني لن أهاجر، حتّى أنني لم أملك ما يكفيني من المال للهجرة، إلا أن ظروف البلاد دفعتني لأن أستدين المال حتى أخرج منها.” يتحدّث كريم (اسم مستعار لشاب عشريني من مدينة ديريك/المالكية) لـ نيكستوري عن رحلة هجرته إلى أوروبا بطريقةٍ غير شرعية في العام 2022، ووصل إليها في العام 2023.
درس كريم في كلية الاقتصاد بالحسكة، إلا أنّه لم يتمكن من إيجاد فرصة عمل تناسب طموحه بعد أن أنهى دراسته الجامعية، ما أدّى إلى سوء وضعه المعيشي، وعدم قدرته على إعالة عائلته، الأمر الذي دفعه للتفكير بالهجرة إلى أوروبا.
وعلى الرغم من أن كريم كان يعي مخاطر الهجرة غير الشرعية، إلا أنه لم يجد مخرجاً سواها كي يحسّن من وضعه المعيشي، ويتمكن من مساعدة عائلته في معيشتها، ويقول “أشتاق لعائلتي، وأصدقائي ومدينتي، لكن لم أتمكّن من البقاء، لأنني افتقدت لأبسط احتياجاتي.”
تختلف أسباب الهجرة غير الشرعية، حيث يختارها البعض بهدف اللجوء إلى الدول الآمنة، بينما يهرب البعض الآخر من الصراعات والحروب والاضطهاد والإرهاب، أو من انتهاكات حقوق الإنسان، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن التهريب الإجرامي المنظم للمهاجرين/ات على نطاق واسع، قد يؤدي إلى إساءة استخدام إجراءات اللجوء، أو الهجرة الوطنية، موضحةً أن وجود عدد متزايد من العقبات التي تحول دون الوصول إلى الأمان، يدفع ملتمسو/ات اللجوء إلى الاستعانة بالمهربين/ات، كما كان الحال لدى كريم.
شتائمٌ وإهانات وخطر .. ما اتّسمت به بداية رحلة الهجرة
اتّجه كريم مع ما يُقارب من 30 شخص آخر/أخرى إلى مدينة سري كانيه/رأس العين، وذلك للعبور منها إلى تركيا، وبعد أن انضمّت إليهم/نّ مجموعةً أخرى، استقلّوا/ين شاحنة كبيرة، دون أن يعلموا/ن إلى أين المسير، ولدى توقّف الشاحنة، علم كريم أنهم/نّ قد وصلوا إلى نقطةٍ تتبع لفصائل المعارضة، وقد كانت تلك النقطة بدايةً للمواقف السيئة التي تعرّضوا/ن لها، حيث تم التحقيق معهم/نّ بالشتائم والإهانات.
بعد عبورهم/نّ إلى تركيا، كانت شاحنةً أخرى في انتظارهم/نّ، إلا أنهم/نّ تعرّضوا/ن لإطلاق الرصاص من قبل الجيش التركي، وعلى الرغم من أن كريم كان قد اتّخذ قرار الهجرة بقناعةٍ تامّة، إلا أنه في تلك اللحظات انتابته مشاعر مختلفة.
“لقد كان طريق الموت بكل ما تعنيه الكلمة، شعرتُ بضغطٍ كبير، وخوف وغضب، وفي بعض اللحظات بالندم، لقد سألت نفسي عما أفعله هنا، وما سيؤول إليه مصيري.”
بعد مرور شهر من تواجد كريم في مدينة إسطنبول بتركيا، لم يقم المهرب بأية محاولة لتأمين عبوره، متحججاً بأن الطريق غير آمن، وبعد أن حان وقت العبور، أخبره أنه سيضطر للمشي لمدّة ثلاث ساعات برفقة مجموعة من الأشخاص، ومؤكّداً أنه لا يتوجّب عليهم/نّ أخذ كميات كبيرة من المياه والطعام، بحسب كريم.
“كان المهرّب يكذب علينا، لذا فقد أخذنا من الطعام والماء ما يكفي ليوم واحد فقط، إلا أننا قضينا في الغابة يومين قبل الوصول إلى الحدود البلغارية، واستهلكنا كل ما نملكه من طعام وماء.” يقول كريم الذي أشار إلى أنه كان برفقة 100 شخص، تم تقسيمهم/نّ إلى أربع مجموعات، مشوا/ين ما يقارب من أربع ساعات للاقتراب من الحدود البلغارية.
ويوضّح كريم أن المهربين قاموا عن عمد، بإرسال المجموعتين الأولى والثانية، بطريقةٍ يسهل فيها القبض عليهم/نّ، بهدف إلهاء القوّات البلغارية، وبالتالي تسهيل العبور أمام المجموعتين الأخيرتين، حيث تمكّنت إحداها من العبور، ويقول كريم “بقيت مجموعتنا التي ضمّت أطفالاً ونساءً، وعند حلول الليل، لم نعد نتمكّن من رؤية شيء، لذا اضطررنا إلى أن نمسك أيدي بعضنا البعض حتى لا نتوه.”
وينطوي تهريب المهاجرين/ات، كما هو محدد في المادة الثالثة من بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين/ات، على تسهيل دخول شخص ما بصورة غير مشروعة إلى دولة ما، للحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى، وتستتبع معاملة المهاجرين/ات معاملة لا إنسانية أو مهينة، بما في ذلك لغرض استغلالهم/ن، ظروفاً مشددة العقوبة.
وبحسب المفوضية فإنه وعلى الرغم من أنها جريمة ضد دولة ما، إلا أن المهربين/ات يمكن أن ينتهكوا/ن حقوق الإنسان لأولئك الذين/اللواتي يقومون/يقمن بتهريبهم/ن، بدءاً من الاعتداء الجسدي إلى حجب الغذاء والماء عنهم/ن.
مشاهد العبور قاسية
في المجموعة التي ضمّت كريم وأصدقاؤه، كان هناك أطفال وطفلات برفقة عوائلهم/نّ، واتجهوا/ن نحو الشبك الحديدي الذي كان يفصل بين تركيا وبلغاريا، إلا أن ملاحظة القوّات البلغارية لتحرّكاتهم/نّ، دفعتهم/نّ للاختباء، في حين أن الخوف دفع بأحد الأطفال إلى البكاء، لذا فقد قامت والدته بإغلاق فمه بيديها، لكن سرعان ما أبعدت يديها بعد أن كاد الطفل أن يختنق، بحسب ما يسرده كريم.
“علمت القوّات البلغارية بوجودنا حينها، وقاموا بإطلاق الرصاص فوق رؤوسنا، ولم نملك خياراً سوى الهرب، ولكن نظراً لطبيعة المنطقة الأشبه بالوديان، فقد سقط البعض في المياه، والبعض الآخر وقع أرضاً، لقد كان المشهد مؤلماً.”
يستذكر كريم الموقف الذي بدر من المهرّب بعد أن قررت بعض العائلات عدم استكمال الطريق، حيث قام بإعادتهم/نّ إلى الغابة، دون طعام أو ماء، ولم يتحمّل مسؤولية عودتهم/نّ إلى المدينة، قائلاً أن الأمر ليس من شأنه.
عشرون شخصاً ومن بينهم/نّ كريم، كانوا قد عادوا سيراً عبر الغابة إلى الحدود البلغارية، وتمكّنوا من تجاوز الشبكة الحديدية هذه المرة، لكن دون وجود سيّارة تنتظرهم/نّ على عكس الاتفاق، في الوقت الذي تعرّضوا/ن فيه للابتزاز من قبل المهرّبين.
“بعد مرور ثلاثة أيام دون طعام وماء، كان المهربون يخبروننا أنهم سيقومون بإعادتنا، وتارةً أخرى أنهم سيبقوننا في المكان نفسه، في اليوم التالي أتت سيارة لتأخذنا لكنه تم القبض علينا، وأعادونا إلى تركيا.”
محاولات متكررة والنتيجة ذاتها
بعد ترحيلهم/نّ إلى تركيا، قام كريم بمحاولةٍ أخرى للعبور، لكنها باءت بالفشل، الأمر الذي دفعه إلى الاستعانة بمهرّب آخر والعبور بطريقة أخرى، وقد كانت الخطة هي العبور بالسيارات، وعند أول محاولة، فقد تم إلقاء القبض عليهم/نّ، وتم ترحيلهم/نّ إلى المخيمات.
“في المخيّم الأول، كان الوضع مزرياً، فقد وجهوا لنا الشتائم، ولم نملك ما ننام عليه، أذكر بعض الرجال الذين كانوا يبكون ندماً على قرار الهجرة غير الشرعية.”
بعد مرور خمسة أيام، أُفرج عن البعض، فيما تم ترحيل البعض الآخر إلى سوريا، أما كريم فقد تم نقله إلى مخيّمٍ آخر برفقة مجموعة من الأشخاص، والذي لم يتمكّنوا/نّ من الخروج منه رغم كل المحاولات عبر دفع مبالغ مالية أو بطرق قانونية، وامتدت فترة بقائه في المخيم لما يقارب من خمسة أشهر، عانوا/ين خلالها من ظروف صعبة للغاية، على حد وصف كريم “كانوا يقدمون لنا ثلاث وجبات من الطعام يومياً، وكان يتوجب علينا أن نقف في صف واحد حتى نحصل عليها، وأثناء ذلك كان الجنود يُقبِلون ويكيلون إلينا الشتائم والإهانات، وأن أية ردة فعل من أيٍّ منا، كانت نتيجتها التعرّض للضرب من قبلهم”.
لم يجد كريم حلاً سوى أن يطلب ترحيله إلى سوريا، برفقة 12 شاباً، كانوا قد اتفقوا مع مهرّبٍ في مدينة أعزاز السورية لإعادتهم إلى تركيا بعد الترحيل، وبعد العودة إلى أعزاز، يوضّح كريم أنهم عبروا إلى تركيا مرّة أخرى، ومن ثم توجّهوا إلى بلغاريا، لكن تم القبض عليهم وترحيلهم إلى تركيا، وفي المحاولة الأخيرة للعبور، والتي وُضع فيها كريم في صندوق سيارةٍ مغلق، عبر إلى بلغاريا، ووصل إلى رومانيا من خلال قارب صغير في النهر.
“فور وصولنا إلى رومانيا، تم أخذنا إلى منطقة قريبة من الحدود المجرية، وبقينا في ظل أجواء باردة جداً في الغابات الرومانية، كنا نلتف على شكل دائرة، ونضع الأطفال ضمنها كي لا يتجمّدوا.” يقول كريم ويوضّح أنه بعد مرور ذلك الوقت قدِمت إليهم/نّ شاحنة وقادتهم/نّ إلى ألمانيا، التي انطلق كلّ منهم/نّ إلى وجهته/ها الأخيرة. في الختام، تشير الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن اللاجئين/ات والمهاجرين/ات والنازحين/ات، كثيراً ما يواجهون/ن في إطار حركات النزوح الكبرى، ويلاتً لا يرون/ين فيها بصيص أمل، ويتجشم الكثير منهم/نّ مخاطر كبرى، بسيرهم/نّ في رحلات محفوفة بالأخطار قد لا ينجو منها الكثير منهم/نّ، ويجد بعضهم/نّ أنفسهم/نّ مضطرين/ات للاستعانة بخدمات العصابات الإجرامية، كعصابات المهربين، وقد يقع آخرون/أخريات فريسة لتلك العصابات أو ضحية للإتجار، وحتى لو وصلوا/ن إلى حيث يريدون/ن، فلا يكونون/نّ على يقين من نوع الاستقبال، ويواجهون/ن مستقبلاً تهدده الأخطار.