العنف الزوجي: الأسباب متعددة والحلول ينبغي أن تكون جذرية

نيكستوري – عليا محمد

“حالي كحال غالبية النساء المتزوجات، أعاني التعب النفسي، والجسدي في بعض الأحيان، ولكن أظن أنها أمور طبيعية تحدث بين المتزوجين في كل الأحوال.” تقول رشا المنحدرة من مدينة ديريك/ المالكية، البالغة من العمر ثلاثين عاماً، والتي لم ترغب بالإفصاح عن اسمها الحقيقي، نظراً لحساسية هذه القضايا من وجهة نظرها، وتكمل أنها لم تعتبر ما تتعرض له يمثّل شكلاً من أشكال العنف. 

أما رهف (اسم مستعار لامرأة أربعينية من قامشلي)، صرّحت أنها تتعرض عنفٍ نفسي قاسي من زوجها، عبر توجيه الإهانات إليها، وتقول “العنف النفسي واللفظي من قبل الشريك، أسوأ وأشد وطأة من العنف الجسدي، فقد أصابني الانطفاء والانكسار نتيجة ما عانيته من زوجي.”

وتعتبر رهف أن العنف لا يقتصر على الضرب والاعتداء الجسدي، فلم يسبق لزوجها أن قام بضربها، لكن بعض سلوكياته تسببت بتعبٍ نفسي لها، وتتمثل هذه السلوكيات في “حين يكون زوجي غاضباً من أمرٍ ما قد حدث معه خارج المنزل، يقوم بصبّ كل غضبه فيَّ، ويهينني بالكلام، حاله كحال معظم الرجال في منطقتنا.”

وبحسب إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993، فإن العنف ضد المرأة هو أي فعلٍ عنيف، تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتّب عليه أو يرجّح أن يترتّب عليه، أذىً ومعاناةً للمرأة، سواءً أكان من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك، التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواءً أحدثَ ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. 

التطبيع مع العنف .. أحد آثار الموروث المجتمعي له

وعن ما تعانيه رشا ورهف، وغيرهما من النساء، تقول جوانا بركات المعالجة النفسية في مركز جيان لحقوق الإنسان، إن الكثيرات ممن يتوجّهن للمركز لتلقّي الدعم النفسي، يعتقدن أن العنف الممارس ضدّهن أمرٌ طبيعي، بل يصل إلى وصفه بالعادات والتقاليد، لذا فإن العاملين/ات في المركز يقومون/ن برفع الوعي لديهنّ، وذلك من خلال إجراء المراجعة لحياتهن قبل وبعد تعرّضهن لهذه الممارسات، ويصلن إلى نتيجة مفادها أن هذا الأذى يسلبهنّ حريّاتهن، ويسبب أذىً جسدي ونفسي واجتماعي وجنسي لهن.

ويحدث أن تتلقى الكثير من النساء اللوم والإهانات من أزواجهن نتيجةً لطبيعة الأدوار الاجتماعية المفروضة على كلا الجنسين، والمتمثلة في فرض تأمين كافة متطلبات العائلة من قبل الزوج، في حين يتمحور دور الزوجة في القيام بالأعمال المنزلية، في ظل حالة من عدم التقدير لهذه المهام، كما تصف رهف طبيعة العلاقة التي تربطها مع زوجها، وتقول “رغم أنني أتعب كثيراً في تأدية المهام المنزلية، إلا أن زوجي لا يقدّر ذلك، ويلومني دوماً على أنني لا أبذل جهداً، ويبدأ بالصراخ، وافتعال المشاكل، وينتهي الأمر بالإهانات اللفظية.”

وفي هذا الصدد، ترى جوانا أن المرأة التي تتعرض للعنف من قِبَل الشريك، فإنها تعاني من الخوف والهلع، إلى جانب فقدان تقدير الذات، كما أنها تميل إلى الوحدة والانعزال، وتضيف أنه في ظل الموروث المجتمعي الذي يفضي إلى أن الزوج هو مصدر الحماية والأمان، وأن الحياة الآمنة هي في إطار منزل الزوجية، فإن الصدمة تتضاعف حين تتلقى النساء العنف من قِبَل أزواجهن. 

“النساء المعنَّفات أكثر عرضة للاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، أو التفكير بالانتحار، والمشكلة تكمن في أن الأطفال إلى جانب الأعراف المجتمعية تشكّل رادعاً أمامهن للحد من هذا العنف.” 

من جهتها، توضّح آرزو تمو، الناطقة باسم منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، أن أبرز التحديات التي تواجه النساء، هي العادات والتقاليد والموروثات المجتمعية، مثل اعتبار العنف هو قَدَر للمرأة، وعليها تقبّله، إلى أن وصل الأمر لأن يصبح العنف ثقافة مجتمعية، فرضت على النساء تقّبلها. 

وتقوم منظمة سارا سنوياً بإعلان إحصائيات عن العنف الممارس ضد النساء في مناطق شمال شرقي سوريا، وفي إحصاءات المنظمة في النصف الأول من العام 2023 والتي نشرتها وسائل إعلام محلية، فقد تم الإعلان عن 11 جريمة قتل بحق النساء، و10 محاولة للانتحار، و51 حالة ضرب وإيذاء.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية  أن العنف ضد المرأة وخصوصاً عنف الشريك العاطفي والعنف الجنسي، مشكلةً مستدامة وكبيرة، وإحدى مشاكل الصحة العامة، وانتهاكاً لحقوق الإنسان التي تتمتع بها المرأة، موضحة أن التقديرات العالمية تشير إلى أن واحد من ثلاث نساء (30%) في أنحاء العالم كافةً، تتعرض في حياتها للعنف البدني أو الجنسي على يد الزوج، كما أنه على الصعيد العالمي تفيد ثلث النساء تقريباً (27%) اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة من المرتبطات بعلاقة جنسية بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف البدني و/أو الجنسي على يد شركائهن العاطفيين.

وتوّضح المنظمة أنه يمكن أن يؤثر العنف سلبياً على صحة المرأة البدنية والنفسية والجنسية، إلى جانب صحتها الإنجابية.

وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يوجد ضمن القوانين السورية قانون يعاقب على العنف الأسري ضد النساء بحرفيته، حسب ما يقوله الحقوقي فاضل قرموطي، مشيراً إلى أنه مؤخراً تم تعديل قانون العقوبات الخاص بـ “جرائم الشرف” واعتبارها جرائم جنائية يعاقب عليها القانون كأي جريمة قتل، ورفع الحماية عن الرجل القاتل بحجة “غسل العار”.

“العنف المعنوي والجسدي ضد المرأة لم يُسن له قانون خاص، وإذا قامت المرأة بالادعاء على معنفها فإن الدعوى الجزائية تأخذ مساراً عاماً كأي جرم إيذاء، وتكون العقوبة على قدر الإيذاء الناتج عن التعنيف الجسدي فقط وغالباً ما ينجو الفاعل بجرمه لاعتبارات اجتماعية.”

ويوضح فاضل، أن الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا قامت بإصدار قانون حماية المرأة، وهو قانون خاص بمكافحة العنف الأسري ومعاقبة الجاني على قدر شدّة جرمه بحق المرأة.

اعتياد العنف يبدأ من الطفولة .. لكنها ثقافة ذاهبة للتغيير

تعتبر رهف أن وجود طفليها، هو الرادع الرئيسي لإبداء أية ردة فعل من قِبَلها تجاه العنف الممارس عليها من زوجها، وذلك حرصاً منها ألّا يشعر الطفلان بالخوف أثناء الخلاف بين والديهما. 

“أتقبّل الأمر في سبيل ألّا يُسمع صراخنا في الخارج، وللأسف فإننا نهتم كثيراً لما سيقوله الجيران عنا، وأعتقد أنني لست الوحيدة التي أتعرض للعنف، بل هناك كثيرات مثلي.” تقول رهف وتكمل “لم أصل بعد لمرحلةٍ تجبرني على خلق مشكلة كبيرة مع زوجي، لكن أظن أنني يوماً بعد يوم، أفقد قدرتي على التحمّل.” 

لا يقتصر العنف الممارس من قِبَل الزوج على النساء فقط، حيث أن رؤية الأطفال/الطفلات للعنف الممارس ضمن الأسرة يجعلهم/ن يكتسبون/ن هذه الممارسات، حسب ما توضحه جوانا، مضيفة أنه ليس التعرض المباشر للعنف يؤثر على نفسية الأطفال/الطفلات فحسب، إنما مشاهدة العنف أيضاً يجعلهم/ن يتأذون/ين كثيراً، ويصبح الأمر واضحاً عندما يكبرون/ن في السن، إلى حد يعتبرون/ن هذه الممارسات طبيعية ومن ضمن العادات المتبعة، لا سيما أن الزوجة لا تدافع عن نفسها في أغلب الأحيان.

 وترى المعالجة الاجتماعية نيروز عليكا أن المرأة التي تتعرض للعنف، في أغلب الأحيان، تكون غير واعية بأشكال العنف الممارس ضدها وآثاره، ولا تعي حقوقها وواجباتها، كما أن الرجل أيضاً يكون غير واعياً بهذه الأمور، ما يحدث خللاً، والذي بدوره يؤثر على الأطفال/الطفلات، ويؤدي إلى تفكك الأسرة بشكل كامل.

وتشير نيروز إلى أن غالبية النساء يلجأن للصمت وكتمان العنف الممارس عليهن، في ظل وجود نسبة أخرى من النساء بدأن بمواجهة الأمر، رغم أنهن عرضة لوصمٍ اجتماعي يحكم عليهن بأنهن خرجن من دائرة الأعراف المجتمعية.

في السياق ذاته، تقول بهية مراد إدارية في “دار المرأة” بقامشلي، إن المجتمع أصبح أكثر وعياً بثقافة تقديم الشكاوى بالمقارنة مع السنوات الفائتة، وذلك حسب نسبة النساء والرجال اللواتي/الذين يلجأن/ؤون  إلى دور المرأة، موضحة أن الكثير منهم/ن لا يقومون/ن بالأمر ذاته بسبب العادات والتقاليد.

تغيير الأدوار الاجتماعية، ومواجهة بعض الأعراف المجتمعية جزء من الحل

ترى الناشطة المدنية، بيريفان عبدالكريم، أن توزيع الأدوار الاجتماعية بصورةٍ نمطية، ومنها ترسيخ فكرة أن الرجل هو المعيل، وجعله الوحيد المسؤول عن تأمين احتياجات الأسرة، بدءاً من تأمين المهر وتأسيس منزل الزوجية، وما يتبعه من الالتزامات المادية بعد الزواج، يشكل خللاً في المنظومة الأسرية، ويكون العنف أحد نتائج هذا الخلل.

“يكمن الحل في تطبيق مبدأ التشاركية في تأسيس منزل الزوجية، وإزالة العبء المادي عن كاهل الرجال، وتفعيل دور النساء في هذا الجانب، حيث تعتبر الأعراف المجتمعية أحد أسباب حدوث العنف ضد النساء.”

وتتفق نيروز، مع ضرورة تغيير بعض الأدوار المجتمعية، والتي ستؤثر إيجاباً على إيجاد الحلول للحد من العنف الممارس ضد النساء ضمن الأسرة، مشيرة إلى أن هذا الحل الذي من الممكن أن يواجه بالرفض في البداية، سيساعد في تخفيف العنف.

“لو خرجت المرأة للعمل سيزداد تقديرها لنفسها لأنها ستصبح منتجة، وتساعد غيرها، وتكسب قيمةً مجتمعية، وتغير هذه الأدوار سيكون لها أثر إيجابي حتى أن نظرة أطفالها لها ستتغير.” تضيف نيروز في شرحها للأدوار المجتمعية التي من شأنها تقليل العنف.

ويرى فاضل أنه يمكن الحد من العنف الأسري بإنشاء مراكز توعية وتأهيل للشباب/الشابات في مراحل ما قبل الزواج، إلى جانب مراكز تأهيل للمتزوجين/ات المعرضين/ات لأزمات عائلية، وإصدار قوانين خاصة بالأسرة بعيداً عن الأيدولوجيات الحزبية والعقائد والشعارات غير الواقعية، ومكافحة الفقر، والبطالة، وعنف السلطات، والجهل التي هي الأسباب المباشرة في خلق رجال ونساء عنيفين/ات، وغير مؤهلين/ات لقبول شراكة أسرية توافقية وعقلانية.

من المهم تقبّل التدخل من قبل المختصين/ات في حال حدوث عنف من قبل أحد الطرفين بعد أخذ موافقتهم/ن، الأمر الذي سيحدث نتيجة إيجابية في تقليل الخلافات والتعنيف بينهم، كما توضح نيروز، وتكمل “المشكلة تكمن في أن أغلب النساء يأتين لتلقي الدعم وحدهنّ، لأن الكثير من الرجال لا يتقبلون الأمر، معتقدين أن زوجاتهم يتحدثنّ عن مشاكلهم العائلية خارج إطار الأسرة، وهو ما يعتبرونه خرقاً لخصوصيتهم، وآخرون يرون بأن النقص في النساء، وعليهنّ معالجة أنفسهنّ، ولا يعترفون بأنهم خاطئون، كما أنه في أغلب المرات تخشى النساء من إخبار أزواجهنّ تجنباً لتعرضهنّ لعنف أشد، أو الانفصال في حال معرفة أزواجهن بتلقيهن للدعم، ومن ثم من الوصمة الاجتماعية التي تلاحق المرأة المنفصلة.”

وتوضح نيروز أنه من خلال الجلسات التوعوية التي تتم للجنسين، يصبح الرجال أكثر وعياً بآثار ممارستهم للعنف على زوجاتهم، حيث أن أغلبهم غير واعيين بها، بسبب اكتسابهم لهذه الممارسات من العادات والتقاليد، كما أن تحسين العلاقة بين الزوج والزوجة من الممكن أن يخفف الألم النفسي،  وانعدام الطاقة وحالة الانعزال والاكتئاب والافكار السوداوية لديهما.وبحسب الأمم المتحدة فإن العنف بأشكاله ضد النساء والفتيات، ليست حتمية، يمكن منعها وينبغي ذلك، من خلال الجمع بين التعّرف المبكر على النساء المتأثرات بالعنف، وتيسير الوصول إلى خدمات الدعم والحماية التي تركّز على الناجيات، وضمان أن تكون أنظمة الشرطة والعدالة أكثر استجابة لاحتياجات الناجيات، إلى جانب الوقاية الأولية من خلال معالجة الأسباب الجذرية للعنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك تغيير المفاهيم الذكورية الضارة، والأعراف المجتمعية، والقضاء على عدم المساواة الهيكلية بين الجنسين، والقوالب النمطية للنوع الاجتماعي.