احتياجات الفئة الشابة .. قضايا غائبة عن المشهد الإعلامي

نيكستوري – آريا حاجي

“على الرغم من أننا أساس المجتمع، ونعاني أثراً مضاعفاً في الحروب، إلا أننا في آخر سلم الأولويات لدى الإعلام النشط في المنطقة.” يقول محمد محمد البالغ من العمر 27 سنة، وينحدر من بلدة كركي لكي/معبدة، مشيراً إلى ضعف دور الإعلام في طرح قضايا الفئة الشابة. 

ويرى محمد الذي يعمل مراسلاً لدى شبكة آسو الإخبارية، أنه لم يسبق لوسيلة إعلامية، محلية كانت أو دولية، ممن تنشط في مناطق شمال شرقي سوريا، أن قامت بتغطية إحدى قضايا الفئة الشابة بشكل معمق، وركّزت التحديات التي تواجهها.

 ويذكر محمد حادث السير مؤخراً في مدينة قامشلي، الذي حدث بتاريخ 03/01/2024، حيث أودى بحياة أربعة أشخاص، اثنتان منهم طالبات في السنة الأولى من المرحلة الجامعية، كانتا قد توجهتا إلى الحسكة بهدف الوصول إلى جامعتيهما، ويوضّح محمد أنه لم تقم وسائل الإعلام سابقاً بتسليط الضوء على معاناة الطلبة في الجامعات، ممن يضطرون/يضطررن إلى قطع عشرات الكيلومترات يومياً، دون العمل على إيجاد مسكن لهم/نّ بالقرب من هذه الجامعات. 

يعمل هيبار عثمان مراسلاً صحفياً ومديراً لمنظمة ميديا أكاديمي، وهي منظمة إعلامية تأسست في العام 2022 في مدينة قامشلي، وتعمل على بناء قدرات العاملين/ات في القطاع الإعلامي. يقول هيبار إن وسائل الإعلام في مختلف الجغرافيا السورية، لا زالت منشغلة بتغطية الحرب الممتد لأكثر من عشر سنوات، نظراً لتبعية غالبية وسائل الإعلام السورية لجهات سياسية أو حزبية، الأمر الذي أدى إلى غياب شبه تام لقضايا الفئة الشابة عن المشهد الإعلامي في سوريا، كما إن الإعلام الدولي أيضاً يهتم فقط بقضايا محاربة الإرهاب، دون إيلاء الاهتمام لما خلّفته الحرب السورية من أثر على الفئات المجتمعية، ومن ضمنها الفئة الشابة. 

تغييب القضايا الشابة عن الإعلام أضعف الثقة بدوره لدى شباب وشابات المنطقة

بسنة محمود فتاة من ريف مدينة ديريك/المالكية، تبلغ من العمر 25 سنة، وتعمل في القطاع الصحي، لم يسبق لها أن شاركت أو أبدت رأياً في محتوى إعلامي يتبع لوسائل إعلام محلية في المنطقة، سواءً أكان هذا المحتوى يطرح قضية تخص الفئة الشابة أو أية قضية مجتمعية أخرى، الأمر الذي سبّب فقدان ثقة بسنة بدور الإعلام وأهميته في تغيير سير القضايا الشبابية الملحّة. 

“اعتدنا أن تقوم وسيلة إعلامية بتسليط الضوء على قصة نجاح، فتقوم باقي الوسائل بتغطية القصة ذاتها لعشرات المرات، دون الالتفات إلى مئات الشباب ممن يعيشون تحدياتٍ لا نهاية لها في هذه البلاد.”

وتشير بسنة في حديثها إلى أن الشباب والشابات ممن يعيشون/ن في الأرياف والمناطق البعيدة عن مركز القرى، يغيبون/ن تماماً عن المحتوى الإعلامي في المنطقة، في ظل وجود الكثير من التحديات التي تواجه هؤلاء، بدءاً من غياب فرص العمل، وصولاً إلى صعوبة الحصول على خدمة المواصلات للوصول من الريف إلى مركز المدينة. 

يضيف محمد أنه خلال عمله الصحفي استلم مهمة تغطية قصص النجاح لدى الفئة الشابة، في محاولةٍ لزيادة المحتوى الإعلامي حول قضايا الشباب/الشابات، لكنه يرى أنه في العموم، تغطية قضايا هذه الفئة تتم بشكلٍ خبري، دون التعمّق في جوانب هذه القضايا وما تتركه من أثر على حياة الشباب والشابات في المنطقة، ودون محاولة البحث عن حلول لها. 

أما محمد نور البالغ من العمر 27 عاماً من مدينة الرقة، ويعمل في التصميم الغرافيكي، فإنه يوكّد أن استمرار تغييب القضايا الشبابية عن المحتوى الإعلامي في المنطقة، يتناسب طرداً مع فقدان الثقة بدور الإعلام في تغيير سير هذه القضايا، ويؤثّر سلباً على اهتمامات هذه الفئة، حيث يتسبب هذا التغييب في فقدان الأمل لديهم/نّ في إمكانية إيصال أصواتهم/نّ إلى الجهات المعنية بتحسين واقعهم/نّ، كما يؤدّي إلى حدوث حالة من الخمول لديهم/نّ للمطالبة بهذا التحسين. 

وفي سياقٍ متصل لما أوضحه محمد نور، وفي استبيانٍ أعدته منظمة نيكستيب، استهدفت فيه 800 شاب وشابة من مختلف مناطق شمال شرقي سوريا، تبيّن أن 56,4% من المبحوثين/ات يجدون/ن أن وسائل الإعلام لا تلعب دوراً إيجابياً في طرح قضايا الفئة الشابة. 

وفي الاستبيان ذاته، تبيّن أن 48,8% من هؤلاء لا يثقون/ن بوسائل الإعلام كمنابر لطرح القضايا التي تخصّهم/نّ، في دلالةٍ على وجود فجوة كبيرة بين الفئة الشابة ووسائل الإعلام النشطة في المنطقة، ومن جهةٍ أخرى، فقد أظهرت نتائج الاستبيان أن 62,6% لم يسبق لهم/نّ أن أبدوا/ين رأياً في مادة صحفية على اختلاف أنواعها. 

قضايا شبابية ملحّة لم تجد حيّزاً في المشهد الإعلامي بشمال شرقي سوريا

إن التغطية الإعلامية لقضايا الشباب، إن وجدت، فإنها لا تتم بالشكل الأمثل، وغير متناسبة مع تطلعات واحتياجات الفئة الشابة، وخاصةً في ظل الحرب السورية، حيث لا تزال أعداداً كبيرة من القضايا الشبابية مهمشة، وفي المقدّمة قطاع التعليم، بحسب ما توضحه نانسي برصوم التي تعمل معدّة ومقدّمة للبرامج في قناة سورويو وهي قناة تلفزيونية مركزها في دولة السويد، ولها فروع في كل من سوريا والعراق ولبنان، وتنشط في منطقة حسكة بشمال شرقي سوريا، وتبث محتواها باللغتين السريانية والعربية. 

وتضيف نانسي أن نقاط الضعف الموجودة لدى وسائل الإعلام النشطة في المنطقة، تلعب دوراً رئيسياً في سوء جودة التغطية الإعلامية لقضايا مختلف الفئات المجتمعية، وخاصة الشبابية منها، حيث هناك افتقار إلى التداول المهني لقضايا الفئات المجتمعية، إلى جانب التركيز على التطورات العسكرية على حساب القضايا الجوهرية، إضافةً إلى التعامل بنمطية مع قدرات الفئة الشابة، التي تتمثل بالتقليل من من شأن هذه القدرات.

أما محمد، فيرى أن حل أية مشكلة مجتمعية، تبدأ في تغطية قضايا الفئة الشابة، والحشد لتحسين واقع هذه الفئة، التي وجدت نفسها تحمل مسؤوليات تفوق طاقتها نتيجة الحرب التي امتدت لسنوات طويلة، ويشير إلى أن الزواج مثلاً، أصبح حلماً بعيد المنال للكثير من الشباب والشابات، لعدم القدرة على توفير تكاليفه، إلى جانب تجاهل حالات الانتحار التي يعتبر الشباب والشابات من أكبر ضحاياه نتيجة الضغوطات النفسية.

في الأرياف، يواجه/تواجه الشباب والشابات تحدياتٍ من نوع مختلف، كما توضّح بسنة، حيث يفوق عدد الطلبة الجامعيين/ات عن فرص العمل المتاحة في منطقتها، في ظل صعوبة توفّر المواصلات التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام هؤلاء لاستكمال الدراسة.

بتول تبلغ من العمر 22 سنة، وتنحدر من مدينة حسكة، أنهت دراستها الجامعية، وبناءً على تجربتها الخاصة، فإنها ترى ان أهم القضايا التي تحتاج لمعالجتها إعلامياً، هي سوء جودة التعليم خلال سنوات الحرب، إلى جانب غياب الرعاية الصحية، ولا يمكن معرفة جوانب هذه القضايا دون إشراك الفئة الشابة في إبداء الرأي عنها، وطرحها بهدف الضغط على الجهات المعنية لتحسين واقع هذه الفئة.

في الاستبيان ذاته العائد لمنظمة نيكستيب، تضمنت الإجابات حول أهم القضايا المجتمعية التي تشكّل قلقاً لدى الفئة الشابة، الأزمة الاقتصادية بنسبة 57,4%، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي بنسبة 58,9%، وعدم القدرة على الهجرة بنسبة 25,3%، والبطالة بنسبة 30%، وارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة 65,5%. 

أما القضايا التي تشكّل قلقاً على الصعيد الشخصي لديهم/نّ، فقد احتلّت صعوبة تأمين تكاليف المعيشة المرتبة الأولى بنسبة 54,1%، وعدم القدرة على تأسيس مشروع خاص بنسبة 43,8%، فيما كانت نسبة اختيار إيجاد عمل 32,3%، فيما أتى الزواج في المكانة الأخيرة بنسبة 13,1%. 

تخصيص كوتا للشباب والشابات في المحتوى الإعلامي .. بداية للحل

إن تفعيل دور الإعلام في طرح القضايا الشبابية، وتوفير مساحة لمراعاة منظور الشباب في المحتوى الإعلامي ككل، يحتاج إلى خطوات عدة، بحسب ما تراه نانسي، وذلك عبر إتاحة الفرصة للشباب والشابات للعمل في المجال الإعلامي، كخطوة أولى لزيادة نسبة المحتوى الإعلامي المتعلق بقضايا الشباب/الشابات. 

وتضيف نانسي أنه من الضروري العمل على رفع الوعي بأهمية دور الفئة الشابة كمحور رئيسي لتنمية المجتمع، بوصفهم/نّ أساساً في إحداث وقيادة التغيير.

“نحن بمثابة العمود الفقري للمجتمع، ولدينا الكثير من الحيوية والطاقة وتقبّل التغيير، لذا لا بدّ من أخذ آرائنا في مختلف القضايا المجتمعية على محمل الجد، وأن نكون جزءاً من الحل.”، تقول بتول مشيرةً إلى ضرورة إشراكهم/نّ في إبداء الرأي حول مختلف القضايا المجتمعية. 

وفي السياق ذاته، يتفق محمد نور مع ضرورة تخصيص كوتا شبابية في المحتوى الإعلامي الذي يتم إنتاجه في المنطقة، وألّا تقتصر مشاركتهم/نّ في الحديث بقضايا الفئة الشابة، بل يجب مراعاة منظور الشباب والشابات في أية قضية مجتمعية، وتسليط الضوء على حلول هذه القضايا من وجهات نظرهم/نّ. 

بينما يرى هيبار أنه على المؤسسات والوسائل الإعلامية النشطة في المنطقة، تخصيص تبويبات لمناقشة قضايا الفئة الشبابية، إلى جانب الحاجة لوسائل إعلامية أو منصات على وسائل التواصل الاجتماعي تكون متخصصة في طرح ومعالجة قضايا الشباب/الشابات في شمال شرقي سوريا، كما أنه من الضروري إدماجهم/نّ في العمل الإعلامي، وبذل الجهود نحو بناء قدراتهم/نّ.

ختاماً، يمكن اعتبار تجاهل أو تهميش الصوت الشبابي في المحتوى الإعلامي، سبباً لخلق جيل محبط ومنزوع الحقوق والطموحات، لذا فإنه من الضروري العمل على تفعيل الصحافة المعمقة في شمال شرقي سوريا، وألا يقتصر العمل الإعلامي على التغطية الخبرية لمختلف القضايا المجتمعية، كما أنه هناك حاجة إلى العمل المشترك لدعم وتمكين الفئة الشابة، عبر توفير المساحة لإبداء الرأي من قبلهم/نّ، وأخذ وجهات نظرهم/نّ على محل الجد في صياغة عملية التغيير المجتمعي.