“الضغوطات النفسية التي خلّفتها الحرب السورية، أدّت إلى تنامي خطاب الكراهية بنسب مرتفعة، ولكنها، أي الضغوطات، ليست السبب الأوحد، فإن غياب الوعي بماهية خطاب الكراهية، هي أحد أبرز الأسباب كذلك،” تقول يمامة اسماعيل (23 عاماً)، المنحدرة من مدينة قامشلي، في حديثها عن أهم أسباب خطاب الكراهية كظاهرة ازداد انتشارها خلال السنوات الماضية.
وتُكمِل يمامة حديثها مشيرةً إلى أن المجتمع ككل، وخاصة الفئة الشابة منه، يفتقر للقدرة على التمييز بين خطاب الكراهية وحرية الرأي والتعبير، سيما وأن الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي من قِبَل مختلف أفراد المجتمع، أتاح الفرصة لانتشار خطاب الكراهية في مساحاتٍ لا تحكمها أي قوانين رادعة لهذا الخطاب.
حتى الآن، لا يوجد تعريف موحّد معتمد لخطاب الكراهية والعنصرية، وذلك نظراً لتعدد أشكالهما باختلاف المجتمعات، إلا أن الأمم المتحدة تعرّفه وفق استراتيجيتها وخطتها بشأن خطاب الكراهية، بأنه “أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.”
خطاب الكراهية في انتشارٍ دون الوعي بتداعياته على التماسك المجتمعي
“الأمر المفاجئ هو الكم الهائل من خطاب الكراهية، والتعليقات التي تنضوي تحتها، حيث يتركها المعلّقون على منشورٍ ما، ويكملون التصفّح وكأن شيئاً لم يكن،” تقول يمامة وتضيف أن المشكلة تمكن في الفترات الزمنية الطويلة التي يقضيها الكثير من الناس دون عمل، وفي ظل وجود الهواتف المحمولة، وسهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب الفهم الخاطئ للنقد، جملةٌ من العوامل التي عززت انتشار خطاب الكراهية بوتيرةٍ متسارعة.
من جهته، يرى وسيم الأحمد (30 عاماً)، من بلدة الجوادية/ جل آغا، أن خطاب الكراهية كمصطلح قد دخل إلى المجتمع حديثاً بعد أن بدأت منظمات المجتمع المدني عملها في شمال شرقي سوريا بعد عام 2011، إلا أنه كفعل كان موجوداً منذ زمنٍ طويل.
وما يثير المخاوف بحسب ما يوضحه وسيم، أن أفراد المجتمع يمارسون/ن خطاب الكراهية يومياً دون الالتفات إلى تداعياته، مشيراً إلى أن الانقسامات السياسية وغيرها فاقمت من انتشار هذا الخطاب، وخاصةً لدى الفئة الشابة، التي تفتقد إلى الوعي الكافي بماهيته وخطورته.
“وقفت عند منشورٍ في إحدى الصفحات العامة حول الهجوم التركي الأخير على المنطقة، وقد احتوى على تعليقاتٍ من شأنها أن تُحدث نزاعاتٍ كبيرة بين أفراد المجتمع، لذا فقد حظرتُ تلك الصفحة مباشرةً.”
بدوره، يقول الناشط المدني والكاتب الصحفي عباس موسى من مدينة قامشلي، إن خطاب الكراهية أحد الأمور التي كانت وسائل الإعلام توسَم به، لكن مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً لدى الفئة الشابة، فقد تنامى نتيجة غياب الوعي بمخاطره، حيث يتذرّع البعض بالسخرية كمبرر لممارسة خطاب الكراهية الذي لا يلبث أن يتحوّل إلى خطاب عام، ويمتد وينتشر.
“الأمر الذي يجب العمل عليه، هو الحد من انتشار خطاب الكراهية وخاصة لدى الشباب، الذي يعاني من فقدان فرص العمل، إلى جانب فقدان فرص استكمال الدراسة، الأمر الذي يجعلهم أدوات لانتشار هذا الخطاب.” يقول عباس.
وفي ورقةٍ بحثية تعود لليونيسكو، فقد تبيّن أن تطبيقات إكس (تويتر سابقاً)، وفيسبوك، وإنستغرام، ويوتيوب قد أبلغت بشكلٍ متزايد عن محتوياتٍ تم الإبلاغ عنها أو/و حذفها، فقد أزالت يوتيوب 85,247 مقطع فيديو انتهك سياسة خطاب الكراهية بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس من العام 2021، وفي الفترة نفسها، أبلغ فيسبوك عن التعامل مع 25,2 مليون جزء محتوى، بينما أبلغ إنستغرام عن 6,3 مليون جزء محتوى، ووفقاً لتقرير الشفافية لتطبيق إكس، فقد تمت إزالة 1,628,281 جزء محتوى تم اعتبارها أنها تنتهك سياسة خطاب الكراهية بين تموز/ يوليو وكانون الأول/ديسمبر من العام 2020.
عوامل نفسية تلعب دوراً في انتشار خطاب الكراهية والقوانين لا تفي بالغرض
إن استخدام خطاب الكراهية لدى البعض، يمكن إرجاعه إلى عوامل نفسية تدفع بهم/نّ إلى تفريغ الطاقات السلبية عبر توجيه الإساءات، بحسب ما توضّح مروى الرجب الاختصاصية في مجال الإرشاد النفسي، وتوضّح أن الحرب السورية ألقت بالكثير من الضغوط النفسية، إلى جانب الظروف المحيطة بالفرد التي من شأنها أن تترك آثاراً سلبية تنعكس على المجتمع ككل، ومن ضمنها خطاب الكراهية.
في اليوم العالمي للصحة النفسية، صرّح الطبيب المختص في الأمراض النفسية خالد حميدي لوسائل إعلام سورية محلية أن حالات الاضطراب النفسي قد ازدادت لدى مختلف أطياف المجتمع السوري، نتيجةً لتبعات الحرب في سوريا، وأوضح الطبيب في تصريحه أن 60% من السوريين/ات يعانون/ين من مشكلات صحية نفسية، قد تتبلور عنها مشكلات أخرى.
وتشير مروى إلى أن مناطق شمال شرقي سوريا تفتقد إلى الدراسات ذات الصلة، إلا أنها قابلت العديد من الحالات خلال عملها مع المنظمات الإنسانية، التي يعاني أصحابها/صاحباتها من الانفعالات المفرطة، والعصبية، إلى جانب فقدان القدرة على التحكّم بردود الأفعال، والتي تتضمن في الكثير من الأحيان، توجيه الكلام المسيء والجارح والذي ينضوي تحت خطاب الكراهية.
في شمال شرقي سوريا، حتى الآن لم تُسن قوانين تجرّم أو تعاقب من ينشر/تنشر خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب الحقوقي ماهر شيخي من مدينة عامودا، الذي يوضّح أنه بالإمكان معاقلة هؤلاء، فيما إذا تسبّب الخطاب بحدوث نزاعات بين المجتمعات، أو أي انتهاك لحقوق الإنسان.
أما في قوانين الحكومة السورية، فإن المادة (31) من القانون رقم (20)، الذي صدر في العام 2022، فإنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من ثلاثة ملايين إلى ستة ملايين، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوىً رقمياً على الشبكة بقصد الإساءة إلى أحد الأديان أو أحد المقدسات أو الشعائر الدينية أو الحض على الكراهية أو التحريض على العنف” بحسب ماهر، الذي أشار إلى أن هذا القانون غير معمول به في مناطق شمال شرقي سوريا.
وتحظّر المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أيّة دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
خطواتٌ نحو الحد من خطاب الكراهية لكنها تحتاج للمزيد
يدير رياض الحمزاوي صفحةً عامة على تطبيق فيسبوك باسم “الحمامة الزاجلة – الرقة”، وتهتم بنشر أخبار عن مدينة الرقة، إلا أنه يواجه الكثير من التعليقات التي تحمل خطاب كراهية في مضمونها، ولا يجد حلاً سوى حظر من يعلّق/تعلّق بكلامٍ مسيء للحد من هذا الخطاب في المساحة التي يديرها.
“أحياناً نقوم بنشر صور قديمة لمدينة الرقة ونحتفي بجمالها، لكننا نصطدم بالكثير من التعليقات التي توجّه اتهاماتٍ كبيرة من شأنها زعزعة العلاقة بين أبناء المدينة،: يقول رياض ويضيف أن غياب الضوابط حوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى بيئةٍ خصبة لنشر الكراهية بين المجتمعات، سواءً أكانت على أساس ديني أو عرقي أو حتى بتحريضٍ من بعض الأطراف لتحقيق المكاسب.
أما هيلين عثمان، فقد أسست مجموعةً نسائية على تطبيق فيسبوك باسم “جميلات روجآفا”، وحالها كحال رياض، فقد واجهت الكثير من خطاب الكراهية الذي انتهى بحظر السيدات اللاتي تمارسن هذا الخطاب، ومنعهن من التواجد في المجموعة.
“بما أن المجموعة نسائية، فإن الكثيرات يلجأن أحياناً لطرح مشكلاتهن بهدف إيجاد حلول لها، ومنها أن تقول فتاة بأنها ترغب في الارتباط بشخص يختلف عنها في انتماءاته، حتى تنهال عليها التعليقات المسيئة.”
ومؤخراً، وقّع كل من رياض وهيلين، برعاية منظمة نيكستيب، ميثاقاً للشرف ضمن مشروعها “معاً أقوى” الذي يهدف إلى تعزيز التماسك المجتمعي في شمال شرقي سوريا، حيث يهدف الميثاق إلى الحد من خطاب الكراهية على الصفحات العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد وقّع عليه 10 مديري/ات هذه الحسابات، كخطوة لتقليل نسبة انتشار خطاب الكراهية.
“إن الميثاق له دور كبير في رفع الوعي بخطاب الكراهية، خاصةً وأنه كان مقروناً بتدريبات تمكينية، شكّلت لدينا ضوابط أخلاقية واجتماعية، وأشعرتنا بمسؤوليتنا تجاه كل كلمة مسيئة قد تأخذ حيزاً من منصاتنا.” يقول رياض.
من جهته، يقول الصحفي عكيد جولي والذي يدير أيضاً صفحة عامة على فيسبوك، إن التعليقات التي تحمل خطاب كراهية تستهدف بشكل كبير مجتمعات شمال شرقي سوريا المتنوعة، حيث وبناءً على تجربةٍ سابقة، كان قد نشر فيها منشوراً حول إحدى المناسبات القومية للمجتمع الكردي، حتى انهالت التعليقات المسيئة لأبناء وبنات هذا المجتمع.
“في البداية كنت أقوم بحذف أي تعليق مسيء، لكن يبدو أن الحل يكمن في معالجة جذور المشكلة، وليس بالتجاهل أو التغاضي عنها.”
رفع الوعي المجتمعي ومحتوى إعلامي معتدل من سبل الحد من خطاب الكراهية
يرى عكيد أن الثقافات المترسخة لسنوات طويلة، لا يمكن إزالتها بسهولة وخلال فترةٍ زمنية قصيرة، لذا فإن الحد من خطاب الكراهية يستوجب وجود خطط استراتيجية مستدامة، وأن تُستثمر وسائل التواصل الاجتماعي حتى تتحول إلى من بيئة حاضنة لهذا الخطاب، إلى أداة لمكافحتها، وذلك ما يقع على عاتق وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، بحسب وجهة نظره.
في حين ترى الصحفية والناشطة النسوية نور الأحمد أنّ واقع المجتمع فيما يتعلق بازدياد خطاب الكراهية وما يتركه من أثر على التماسك المجتمعي، خاصةً أنه انطلق من أرض الواقع وترسّخ في مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يتطلب إنتاج محتوى إعلامي يعزز العيش المشترك بين المجتمعات المختلفة، كما أنه هناك حاجة حقيقية لرفع الوعي المجتمعي وتمكين أفراده حول الخطاب المعتدل.
وحول المحتوى الإعلامي المقدّم في المنطقة، فإن الصحفي هيبار عثمان يرى أنه من الضروري أن تعمل وسائل الإعلام على تحقيق التعارف بين مجتمعات المنطقة، وذلك ما يمكن أن يتضافر مع إعداد مناهج تعليمية تعزز ثقافة تقبّل الآخر/الأخرى المختلف/ة، وخلق مساحات النقاش بين مختلف فئات المجتمع وعلى اختلاف انتماءاتها.
“إن خطاب الكراهية قضية أخلاقية، ومتعلقة بالقيم الإنسانية، لذا فإن رفع الوعي لدى أبناء المجتمع حول خطورته، قد يساهم في التخفيف منه.” تقول يمامة.
يمكن القول إن إفساح المجال أمام تحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى بيئةٍ خصبة لنمو خطاب الكراهية، يشكّل خطراً حقيقياً على حالة التماسك المجتمعي بين أفراد المجتمع الواحد، والمجتمعات المتنوعة أيضاً، الأمر الذي يتطلب جهوداً على كافة الأصعدة للحد منه، سواءً أكان عبر سن القوانين الرادعة أو رفع الوعي المجتمعي، أو تطوير المناهج التعليمية التي من شأنها أن تخلق أجيالاً تعي خطورة خطاب الكراهية على حياتهم/نّ.
تم إنتاج هذه المادة في إطار مشروع “معاً أقوى” الذي تنفذه منظمة نيكستيب، والذي يهدف للمساهمة في تعزيز التماسك المجتمعي بين مجتمعات شمال شرقي سوريا