“نجاح وسائل الإعلام المحلية أو فشلها، يعتمد على مدى تلبيتها لاحتياجات المجتمع، والمساهمة في رفع وعي أفراده تجاه قضاياهم المختلفة،” يصف سعيد السراج من أهالي مدينة الرقة دور الإعلام المحلي في قضايا التماسك المجتمعي.
ويضيف أن النمطية في التغطية الإعلامية طغت على معظم الإنتاج الإعلامي المقدّم في شمال شرقي سوريا من قبل وسائل الإعلام النشطة فيها، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام المحلية المستقلة تسلّط الضوء على القضايا المجتمعية ومنها التماسك المجتمعي، بنسبةٍ أكبر من الإعلام الرسمي، إلا أنّ التقييد الذي يعاني منه العمل الإعلامي، يؤثّر على قدرته في رفع الوعي المجتمعي، والحفاظ على التماسك بين المجتمعات المختلفة.
يُعتبر التماسك المجتمعي من أهم الركائز التي يجب العمل عليها لتعزيزه بين مجتمعات شمال شرقي سوريا، خاصةً في ظل امتداد الحرب السورية لسنواتٍ مخلّفةً نزاعاتٍ تهدد السلم الأهلي، بحسب حازم أبو حذيفة الذي يعمل معدّاً ومقدّماً للبرامج الإذاعية في إذاعة بيسان إف إم بمدينة الرقة (وهي إذاعة محلية، تأسست في العام 2018، ومركزها الرئيسي في مدينة الرقة، بينما تبث في الرقة ودير الزور والطبقة)، مؤكداً على الحاجة الملحّة لالتفات وسائل الإعلام المحلية إلى تقديم محتوى يعرّف بالثقافات المتنوعة المتعايشة في المنطقة.
قضايا التماسك المجتمعي ليست من أولويات الإعلام المحلي بشمال شرقي سوريا
في ظل النشاط الإعلامي لسنوات عديدة في شمال شرقي سوريا، فقد أثبتت التجربة أن الإعلام العالمي والإقليمي لا يعتبر تغطية قضايا التماسك المجتمعي ذات أهمية وفي أولويات عمله، لذا فإن هذه المهمة ملقاة بشكل رئيسي على عاتق الإعلام المحلي، بحسب ما يوضحه الصحفي والناشط المدني إبراهيم مدور من مدينة الطبقة.
“قد يكون الإعلام المحلي بشمال شرقي سوريا نجح نوعاً ما في الابتعاد عن إثارة الفتن، إلا أنه لم ينجح في المساهمة بالحفاظ على التماسك المجتمعي بين مجتمعات المنطقة،” يقول إبراهيم، موضّحاً أن مناطق الرقة والطبقة ودير الزور، على وجه الخصوص، تفتقد العدد الكافي من وسائل الإعلام المستقلة، مقارنةً بوسائل الإعلام الرسمية، التي قد تهتم بقضايا التماسك المجتمعي، إلا أن ضعف متابعتها من قبل المجتمع المحلي، يُضعف من تأثيرها فيه بأفضل الأحوال.
من جهتها، تقول منى مقصود (الأستاذة المساعدة في كلية الإعلام بالقاهرة، والخبيرة في برامج التدريب والاستشارات الصحفية)، إن دور الإعلام المحلي في شمال شرقي سوريا، يمكن وصفه بـ “الضعيف أو المحدود”، وذلك لغياب أجندة تحريرية واضحة ومتماسكة، من شأنها أن تساهم في تحقيق أهداف المؤسسات الإعلامية بشكلٍ تراكمي.
“إن الانتماءات والتحيزات الشخصية للبعض من العاملين في قطاع الإعلام، قد تنأى بهم عن معالجة قضايا التماسك المجتمعي،” تقول منى، وتضيف إنه قد تلجأ وسائل الإعلام المحلي إلى عدم التطرق لهذه القضايا إما لحساسيات جغرافية أو سياسية أو حتى ثقافية.
وفي وجهة نظر مختلفة، يرى الصحفي زانا العلي أن وجود قانون للإعلام في مناطق شمال شرقي سوريا، يساهم في الحد من أي دورٍ قد تلعبه وسائل الإعلام المحلية في نشر خطاب الكراهية أو أية مهددات للتماسك المجتمعي، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة “الذباب الإلكتروني” قد لعبت دوراً كبيراً في إثارة الفتن بين مجتمعات المنطقة، وخاصةً أثناء وجود الأحداث الساخنة، ويمكن القول إن وسائل الإعلام تسعى لتحقيق أهداف إيجابية، إلا أنها لم تصل للمستوى المطلوب بعد.
برنامج “نافذة على الوطن” أحد البرامج التي أعدّها وقدّمها الصحفي حازم أبو حذيفة عبر إذاعة بيسان في العام 2020، وتناول البرنامج في حلقاته التعريف بمجتمعات المنطقة المختلفة، من تاريخ وموروث شعبي وثقافي وعادات وتقاليد كل مجتمع، يقول حازم إن هدفه الرئيسي كان التعريف بمجتمعات المنطقة لتعزيز التماسك فيما بينها.
لذا فإنه من الضروري أن يقدّم الإعلام المحلي محتوىً يعزز من معرفة المجتمعات ببعضها، بحسب ما يوضحه حازم مشيراً إلى أن جهل هذه المجتمعات ببعضها عامل رئيسي في المعضلة التي تعيشها المنطقة والتي ترسّخ من تقوقع كل مجتمع على نفسه.
عوامل ذاتية وموضوعية تحد من دور الإعلام المحلي في قضايا التماسك المجتمعي
لعل أهم التحديات التي تواجه العاملين/ات في الإعلام المحلي بشمال شرقي سوريا، هو إعادة بناء ثقة المجتمع المحلي بدور هذا القطاع في تنميته وتعزيز التماسك المجتمعي بين أفراد المجتمعات المتنوعة، بحسب ما يوضحه حازم، حيث يرى أن المجتمع المحلي يثق بالإعلام الدولي ولا يولي الأهمية للإنتاج الإعلامي الذي تقدمه وسائل الإعلام المحلي، في ظل صب الأخيرة جلّ اهتمامها في كسب المتابعين/ات وليس التأثير فيهم/نّ.
أما شيندا محمد التي تعمل في الإعلام المحلي منذ سنوات بمدينة قامشلي، فإنها تجد أن التحديات تكمن في غياب الكفاءة اللازمة لدى العاملين/ات في قطاع الإعلام فيما يتعلق بتغطية القضايا المجتمعية من قبيل قضايا التماسك المجتمعي، إلى جانب غياب الخطط الاستراتيجية للتدخل الإعلامي وطرح هذه القضايا.
ولا تقتصر التحديات على كفاءة العاملين/ات في الإعلام، حيث أدّى تكرار التغطية الإعلامية للقضايا ذاتها، عبر الإعلام المحلي إلى خلق حالةٍ من الملل لدى أفراد المجتمع المحلي، سواءً أكان إعلاماً رسيماً أو مستقلاً تقيّده الكثير من الضوابط والقوانين، لذا فإن اهتمام هؤلاء يقل وبالتالي يقل تأثير الإعلام في أذهانهم/نّ، بحسب ما يوضحه الصحفي أحمد عثمان من مدينة الرقة.
التمويل أحد أبرز التحديات التي تُضعف من جودة عمل الإعلام المحلي، حيث تفتقد المنطقة عموماً إلى نماذج تمويل تساهم في توليد مصادر جديدة للدخل، بحيث يسهم ذلك في تحقيق استقلالية وسائل الإعلام وزيادة موضوعيتها، وقدرتها على مناقشة ومعالجة القضايا التي تهم المجتمع المحلي دون تدخّل من أطراف وجهات ترغب في تنفيذ أجندتها الخاصة من خلال الإعلام، بحسب وجهة نظر منى مقصود.
كما ترى منى أن ضعف القدرات الإدارية التي من شأنها تطوير آلية العمل، والتوسع في نطاق التغطية، والقدرة على تحويل ولاء الجمهور المستهدف إلى موارد دخل ثابتة يعتمد عليها الإعلام في تدوير عجلة إنتاجه، إلى جانب ضعف التدريب وبناء القدرات الموجّه للعاملين/ات في الإعلام المحلي، ما يؤدي إلى إنتاج محتوى سطحي يفتقد للاحترافية والتعمق، من جملة التحديات التي تواجه العاملين/ات في الإعلام، وتوقعهم/ّ في الثغرات والفجوات التي تؤثر على الأداء والإنتاج الإعلامي المقدّم من قبلهم/نّ.
لا زالت الفرصة متاحة لتفعيل دور الإعلام المحلي في قضايا المجتمع المختلفة
“ما لم تتغير السياسات التحريرية لوسائل الإعلام النشطة في المنطقة بشكلٍ كامل، لا يمكن تقويم دورها في التأثير في سير قضايا المجتمع،” بحسب ما يوضحه الصحفي علي نمر، الذي يشير إلى أهمية رفع الوعي المجتمعي حول التكامل والتداخل في العلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع، وأن كلاً منهما يكمل الآخر حتى يتمكن الإعلام من ممارسة الدور المنوط به في هذا المسار، للوصول إلى خطاب إعلامي معتدل، هدفه تسويق كل ما يخدم المجتمع.
ويشير علي إلى ضرورة التنسيق والتشبيك بين مختلف الأطراف ذات الصلة، من أفراد ووسائل إعلامية ومنظمات المجتمع المدني، للحد من التحديات التي تقف عائقاً أمام تفعيل دور الإعلام في تعزيز التماسك المجتمعي، سواءً أكانت ممارسة إقصاء مجتمعات معينة، أو اتّباع نهج مناطقي، في الوقت الذي تُعتبر فيه هذه التحديات قنبلة موقوتة تهدد حالة التماسك بين المجتمعات المتنوعة.
عموماً، تفتقد وسائل الإعلام سياسة تتبع أثر الأداء، حيث يُعتبر رصد مؤشرات الأداء الناجح، وسيلة مساعدة في تكوين نماذج محلية رائدة، يُحتذى بها من قبل الوسائل والقطاعات المحلية الأخرى، وفق ما تطرحه منى كحل لتفعيل دور الإعلام في طرح القضايا المجتمعية الحساسة.
كما تشير منى إلى ضرورة العمل على وجود إرادة واضحة لدى القائمين/ات بالمؤسسات لتفعيل دور الإعلام في تعزيز التماسك المجتمعي، حيث يؤدي الأمر إلى الدفع باتجاه خلق استراتيجية وطنية تعزز من هذا الدور، كما أنه من الضروري التنسيق بين إدارات هذه الوسائل، والعمل على توفير أماكن ومساحات لتبادل الخبرات، والاستفادة من الموارد الخاصة بكل مؤسسة.
من جهته، يرى إبراهيم مدور أن توفير قاعدة بيانات من قبل منظمات المجتمع المحلي، حول مجتمعات المنطقة، يساهم في إنتاج محتوى إعلامي مبني على الأرقام والمعلومات الدقيقة، الأمر الذي يعزز من بناء ثقة المجتمع المحلي بدور الإعلام، كوسيلة ضغط نحو تغيير سير هذه القضايا باتجاه إيجاد حلول فعالة وواقعية.
ختاماً، يمكن القول إن بناء الثقة لدى المجتمع المحلي بأهمية الإعلام يمكن في تثقيفه حول أهمية مشاركته في حل قضاياه، ولا يتحقق الأمر قبل أن يتم دعم العاملين/ات في القطاع الإعلامي بالتدريب والتطوير الذي يمكّنهم/نّ من إنتاج محتوى إعلامي مبني على الاحترافية والمهنية، التي تزيد من فرص مصداقيته لدى أفراد المجتمع.
تم إنتاج هذه المادة في إطار مشروع “معاً أقوى” الذي تنفذه منظمة نيكستيب، والذي يهدف للمساهمة في تعزيز التماسك المجتمعي بين مجتمعات شمال شرقي سوريا.