حياة على الهامش: أوضاع نازحي/ات الشهباء في شمال شرقي سوريا

“كنت أحتسي كوباً من الشاي حين سمعت صراخ جارنا وهو يطلب منا أن ننجو بأنفسنا.” تقول شيرين محمد في سردها لقصة نزوحها الثاني من منطقة الشهباء بريف مدينة حلب، بعد أن استقرت فيها إثر النزوح الأول من مدينته عفرين عام 2018.

“حين سمعت عن اقتراب الفصائل المسلحة من منطقتنا، ركضتُ مسرعةً تجاه أطفالي.. احتضنت طفلي الصغير، أما ابنتَي فقد كانتا برفقة أبيهما.” حملت شيرين حقيبةً كانت قد أعدّتها قبل أيام، تحوي قطعاً من الألبسة لعائلتها، التي مضت إلى حيث لا تدري على حد وصفها.

حين وصلت شيرين وعائلتها إلى دوّار الأحداث (الواقع في ناحية الأحداث بمنطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي)، شاهدت عناصر الفصائل المسلحة الموالية لتركيا يقومون بإطلاق الرصاص في الهواء، الأمر الذي سبّب للعائلة خوفاً وذعراً كبيرَين، ثم استكملت مسيرها مع القافلة التي خرجت من منطقة الشهباء خوفاً من اشتداد المعارك فيها.

استمرت رحلة نزوح العائلة ثلاثة أيام، وسط تعرّض الفصائل المسلحة للقافلة لأكثر من مرة، بحسب ما أوضحته شيرين، التي وصلت إلى مدينة الطبقة في حالةٍ صعبة، وسط ظروفٍ جوية قاسية مع الجوع الذي أنهك كل من كان في القافلة، فيما استقرت شيرين وعائلتها في أحد مراكز الإيواء بمدينة الرقة، “شعرتُ أن رحلة النزوح هذه أقسى بكثير من الأولى، حيث فقدنا أبسط مقومات الحياة، وأشعر بالأسى لرؤية أهلي يمكثون في العراء، ولم يتمكن الكثيرون من الحصول على خيمة تقيهم برد الشتاء.”

إثر التغيرات المتسارعة التي حدثت في سوريا، سيطرت الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا على مدينة حلب، وعلى إثرها شهدت مناطق الشهباء في ريف حلب الشمالي موجةً كبيرة من نزوح الأهالي تجاه مناطق شمال شرقي سوريا، مع تصاعد العمليات العسكرية، بحسب تقرير لرابطة تآزر للضحايا، الذي نشرته بتاريخ 03/12/2024.

“من أقسى اللحظات التي عشتها خلال رحلة النزوح، عند بكاء طفلتي وعجزي عن تقديم المساعدة لها أو إيقافها عن البكاء.” تقول زينب مستو التي نزحت من تل قراح بريف مدينة حلب، حيث امتدت رحلة نزوحها أيضاً لثلاثة أيام سيراً تحت الأمطار وسط البرد القارس، ودون طعام أو شراب، كما أنها أضاعت عائلة زوجها، والتقوا مرةً ثانية بعد وصولهم/نّ إلى مراكز الإيواء في مدينة الرقة، إلا أنّ مشكلتها الأكبر كانت نسيان إحضار حليب طفلتها البالغة من العمر شهر واحد، وسط موجة القلق والخوف التي اجتاحت جميع أهالي المنطقة حينذاك، بحسب ما توضحه زينب.

وصلت زينب وعائلتها إلى مدينة دير حافر التي تبعد 52 كم عن مدينة حلب، وحصلت على بعض الطعام من أهالي المدينة، وقامت بإضافة الماء لحليب البقر، لإطعام طفلتها الوحيدة، وفي الكثير من الأحيان ظنت أنها ستفقد طفلها على إثر الجوع، وذلك بعد أن فقدت عدة عائلات أطفالها نتيجة الجوع والبرد الشديد، “أجلس اليوم دون أن أعلم ما مصيرنا غداً.” تقول زينب.

احتياجات النازحين/ات كبيرة .. والقدرة على التلبية ضعيفة

يعكس حال النازحين/ات في شمال شرقي سوريا، مأساةً إنسانية كبيرة، تعصف بالبلاد منذ سنواتٍ طويلة، فقد أُجبر هؤلاء على مغادرة منازلهم/نّ بسبب النزاعات المسلحة، ويعيشون/يعشن الآن في ظروف إنسانية صعبة للغاية، ويفتقرون/يفتقرن إلى أبسط مقوّمات الحياة بدءاً من صعوبة توفّر الكهرباء والمياه النظيفة، وليس انتهاءً بالرعاية الصحية، بحسب ما يوضّحه دمهات إبراهيم العضو في جمعية ليلون للضحايا.

يوضّح دمهات أنّه في المخيمات ومراكز الإيواء، يعاني النازحون/ات من الاكتظاظ والبطالة، كما تواجه العوائل صعوبةً في توفير احتياجات الأطفال والطفلات من الغذاء والتعليم، عدا عن حالة الاغتراب وفقدان الأمل بالمستقبل نتيجة الابتعاد عن منازلهم/نّ وأقاربهم/نّ.

ويشير دمهات إلى أنّه، وعلى الرغم من جهود المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، تبقى الاحتياجات أكبر من الموارد المتاحة، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الحالة المعيشية للنازحين/ات، ويتطلب تحرّكاً أكبر وأكثر جدية من المجتمع الدولي والحكومة المحلية لتقديم الدعم الإنساني، وإيجاد حلول مستدامة لهؤلاء.

في تقريرٍ نشرته منظمة أطباء بلا حدود بتاريخ 12/12/2024، أوضحت أنه يتم استخدام المدارس وملاعب الرياضة كمراكز لاستقبال النازحين/ات، وإيوائهم/نّ في الطبقة، إلا أنَّ الوضع في هذه المواقع شديد الصعوبة إذ تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في ظل غياب البطانيات والتدفئة الكافية، كما أنَّ المرافق غير مهيأة لإيواء الناس، إذ تفتقر إلى المراحيض ومياه الشرب والغذاء. ويعود هذا النقص إلى عدم توفر الوقت الكافي أو الموارد اللازمة لدى الحكومة المحلية للتحضير بشكل ملائم. وسرعان ما أصبحت الخدمات الطبية المتاحة في بعض المناطق التي تستقبل النازحين مثقلة بتدفق الناس.

وأشار التقرير نفسه إلى أنّ أكثر من 80 ألف شخص نزحوا/ن إلى مناطق الطبقة والرقة والحسكة، موضّحة أن منظمة أطباء بلا حدود بدأت بالاستجابة للاحتياجات المتزايدة في شمال شرقي سوريا، وتقوم بتوفير المياه النظيفة الصالحة للشرب والمأوى الطارئ والرعاية الصحية العاجلة.

“أمضينا ثلاثة أيام في العراء، كان الجو بارداً للغاية، لذا قمنا بإشعال النار لتوفير بعض التدفئة لأطفالنا.” يقول محمد عثمان الذي يرافق حديثه شعوره بغصّةٍ كبيرة، حين يستذكر ولادة إحدى قريباته في تلك الظروف القاسية.

يقول محمد إنّه أثناء تجمّعهم/نّ حول النار، سمعوا/ن صراخ إحدى قريباته التي كانت حاملاً، وقد حان ميعاد ولادتها، ويشرح كيف شعر الجميع بقلة الحيلة، والحيرة، لتأتي فيما بعد سيارة إسعاف وتقوم بإيصالها إلى مستشفى في حلب.

“واجهنا مصاعب شتّى، إلا أن أصعبها العجز عن تقديم لقمة طعام لطفل جائع، اليوم نعيش واقعاً مأساوياً في مراكز الإيواء بالطبقة، ولا شيء يقينا من البرد.” يقول محمد.