حديث الخوف.. كيف تؤثر النقاشات حول الحروب على نفسية الأطفال؟

نيكستوري – آلاء الربيعي

هل هذه دماء؟
توقّف محمد، ذو العشرة أعوام، مذهولًا أمام بقعة سائل أحمر اللون، على الطريق، أثناء عودته من السوق برفقة والدته، وسأل بخوف: “هل هذه دماء؟” أجابته والدته، رانيا سعدون (45 عاماً، من مدينة قامشلي)، في محاولةٍ لطمأنته: “لا يا صغيري، إنه عصير رمان تم إفراغه من زجاجته.. لا تخف.”

تؤكّد رانيا إنّ الأحداث الأخيرة في سوريا، وما رافقها من قلق وخوف وحذر بين جميع الناس، وبات الحديث الأوحد بينهم/نّ، أثّرت بشكل كبير على نفسية ابنها، الذي أصبح كثير الشرود، ويغلب عليه الخوف ليلاً، كما يرفض النوم بمفرده، وذلك نتيجة خوفه من نشوب حرب في المنطقة، وأضافت: “لقد منعت طفلي من قضاء وقت طويل على الهاتف المحمول حتى نتجنب تعرّضه لمقاطع فيديو تحوي أي نوع من أنواع العنف.”

مع التغييرات التي شهدتها سوريا خلال الفترة الأخيرة، بات الحديث بين الناس هو ما تحمله المرحلة القادمة من توقعات، في الوقت الذي يتم فيه هذا الحديث على مسمع الأطفال والطفلات داخل المنازل أو خارجها، الأمر الذي انعكس سلباً على الحالة النفسية لهؤلاء الأطفال والطفلات، المترافقة بالخوف والتوتر.

جيهان اسم مستعار لسيدة من مدينة قامشلي، ووالدة لطفلة تبلغ من العمر 11 عاماً، تقول إنها فوجئت بمتابعة ابنتها لمقاطع فيديو على يوتيوب، تتضمن مشاهد متعلقة بسجن صيدنايا، في الوقت الذي اعتادت العائلة أن تتابع الطفلة برامجاً خاصة بالأطفال والطفلات، مشدّدةً على ضرورة مراقبة الأهل لما يتابعه أطفالهم وطفلاتهم على الشاشات الإلكترونية، وإدراك مخاطر إهمال الأمر لما له من تأثير سلبي كبير على الحالة النفسية للطفل/ة.

أحاديث الكبار.. مصدر قلق للأطفال في ظل أجواء التوتر

في حالةٍ أخرى، تقول بهية عيسو (40 عام من مدينة الدرباسية) إنّ أطفالها الخمسة عايشوا/ن حالةً نفسية غير مستقرة نتيجة حالة الخوف السائدة لدى العائلة في الفترة التي كثُر الحديث عن تهديدات محتملة لمناطق شمال شرقي سوريا، حيث استمر ابنها البالغ من العمر 11 عاماً في النوم بجانبها، ورفض البقية الذهاب للمدرسة والبقاء في المنزل.

تؤكّد بهية أن عدم مراعاة الأهل لوجود الأطفال والطفلات عند الحديث عن المواضيع السياسية أو غيرها من المواضيع التي لا تناسب أعمارهم/نّ، وقد ولّت تركيزها لطمأنة أطفالها، وتأمين بيئة آمنة خالية من الحديث عن أي أمر يتعلق بالوضع الحالي في سوريا وشمالي شرقها على وجه الخصوص، حتى لا تتفاقم حالتهم/نّ النفسية.

“سمعت ابني الصغير يتحدث عن الأوضاع الحالية، وكأنه شخص بالغ، حيث بدأ يعبّر عن قلقه من احتمال نشوب حرب جديدة في المنطقة، كما وجّه إليّ أسئلة يصعب الإجابة عنها.” بقول خالد عيد، ويشير إلى أنه وجد من الضروري أن يقوم بشرح الأحداث الحالية لأطفاله بطريقةٍ مبسّطة حتى ينزع من قلوبهم/نّ أي خوف أو شعور يؤثر على حالتهم/نّ النفسية، وشدّدت على أنه عليهم/نّ الاهتمام بتعليمهم/نّ فقط، دون الاهتمام بأمور أخرى في ظل وجود الأمان وسط العائلة.

لا تزال الأزمة تترك جراحاً نفسية لدى الأطفال السوريين/ات. وفي العام الماضي، أظهر ثلث الأطفال في سوريا علامات الضيق النفسي بما في ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة، بحسب تقرير يعود لـ “يونيسيف”، حيث يُظهر التقرير أن حوالي 6 مليون طفل/ة وُلدوا/ن في سوريا منذ اندلاع الحرب في العام 2011، بينهم/نّ 4.8 مليون طفل/ة يعيشون/ن داخل سوريا، ومليون طفل/ة في دول الجوار، ومعظم هؤلاء لم يعرفوا/ن سوى الحرب والنزاعات المستمر، مما زاد تعرّضهم/نّ للعنف والخوف.

التأثير النفسي للأطفال.. الحاجة إلى رعاية مضاعفة في أوقات الأزمات

“تفاجئت بأن طفلتي قد تابعت مشاهد تعذيب وعنف على الإنترنت، وبدأت تعاني من الأرق والكوابيس باستمرار.” تقول براءة محمد من مدينة قامشلي في حديثها الحالة التي تمر بها ابنتها البالغة من العمر 12 عاماً، وتشير إلى أنّ المشاهد تلك بقيت عالقة في ذهن ابنتها، وعلى إثر ذلك، قررت مع زوجها الحد من تعرّض طفليهما لمشاهد مثيلة، وإيجاد سبل لضمان توفير محتوى آمن يتابعانه على التلفاز.

يفتقر الطفل/ة للنضج العاطفي والعقلي الذي يسمح بالتعامل مع أية أحداث طارئة، الأمر الذي يجعله/ها عرضة للعديد من المشكلات النفسية، بحسب ما توضحه الاستشارية النفسية زينب زبيدي، التي توضّح أنه في سن مبكّرة، قد تظهر الأعراض على شكل تعلّق شديد بالوالدَين، والبكاء المستمر، أو حتى التبوّل اللا إرادي، أما الأطفال والطفلات الأكبر سنّاً، فإنهم/نّ قد يعانون/ين من الأرق، والكوابيس، واضطرابات في تناول الطعام، والسلوكيات الاندفاعية.

وأكّدت زينب أن التأثيرات السلبية للحروب والنزاعات على الصحة النفسية والعقلية للأطفال والطفلات، تعد من أبرز التحديات التي يصعب تجاوزها، خاصةً عند معايشتهم/نّ لفترات طويلة من النزاعات المعقدة التي تشمل الإبادة الجماعية، والاعتقالات، والمجاعات. وأشارت إلى أن هذه التجارب القاسية تترك آثارًا عميقة تنعكس على تكوين شخصية الطفل/ة في المستقبل.

“لاحظتُ تأثيراً واضحاً على الأطفال وسط الأحداث الأخيرة، حيث غلب على معظمهم الانطوائية، ومشاعر التوتر التي انعكست على تعابيرهم وسلوكياتهم،” يقول محمد البوراني المدرّس في مدرستَي “جود” و”المجد” في مدينة قامشلي، ويشير إلى أنّه حتى أثناء الاستراحات في الدوام المدرسي، تقتصر ألعابهم/نّ على تمثيل المعارك التي تتضمن على الألفاظ العنيفة.

ويضيف محمد أنه من الضروري إيلاء الأهمية القصوى للمرحلة العمرية المبكّرة للطفل/ة، وإبعاده/ها عن أجواء الأخبار التي تتحدث عن الحروب والنزاعات، وذلك عبر إشراكه/ها في أنشطة ترفيهية مثل الحفلات، والنوادي الرياضية، والمسابقات، بهدف إرجاعهم/نّ إلى الحياة الطبيعية.

وفي السياق نفسه، تشدد زينب على أهمية التدخل المبكّر من خلال برامج العلاج النفسي، الذي يعتمد على الأنشطة الجماعية التي تتيح للأطفال والطفلات التعبير عن تجاربهم/نّ بأساليب مبتكرة وغير تقليدية، مما يساهم في تخفيف العبء النفسي عنهم/نّ وتعزيز قدرتهم/نّ على التكيّف، مشيرةً إلى أنّ إهمال العلاج السلوكي والنفسي للأطفال والطفلات، يؤدّي على المدى البعيد إلى نشوء أفكار متطرفة لديهم/نّ، وتبنّي لغة متشددة تحمل مشاعر الكراهية والحقد.

وللتخفيف من هذه الآثار، تؤكد زينب على أهمية دور الأسرة، من خلال تجنّب تعريض الأطفال والطفلات لمشاهد العنف والأخبار السلبية، وتقديم الدعم النفسي والعاطفي لهم/نّ، كما تشدد على أهمية إشغال الأطفال والطفلات بأنشطة مفيدة وبناءة، وفي الحالات الشديدة يجب استشارة اختصاصيين/ات نفسيين/ات.