الرصاص العشوائي… احتفالات تنتهي بمآسٍ دامية

نيكستوري – آلاء الربيعي 

 

“لقد توفي جاد، كيف يمكنني مساعدتك الآن؟!!” 

هذه الجملة كانت الرد الذي حصلت عليه معدّة التقرير، بعد تواصلاتٍ أجرتها مع مقرّبين/ات من عائلة الطفل جاد الذي أصيب برصاص طائش في مدينة حسكة بتاريخ 17/01/2025، إلى جانب شخصين آخرين، بحسب ما ورد في وسائل إعلام محلية، وقد كان إطلاق الرصاص العشوائي والكثيف، ناتجاً عن احتفالاتٍ شهدتها المدينة ومدن أخرى بعد لقاءٍ جمع قيادات كُردية. 

 

جاد طفل في الثالثة من عمره، كان يقف أمام باب منزله في أحد أحياء مدينة حسكة، حين تلقّى رصاصةً طائشة استقرت في رأسه، في الوقت الذي ظن فيه والداه أنه قد أغمي عليه، لتبيّن الصور الإشعاعية فيما بعد، وجود رصاصة في رأسه، تسببت بحدوث نزيف داخلي حاد، بحسب ما أوضحته مها الحسن صديقة والدة جاد. 

 

وأضافت مها أن جاد قد مكث في المستشفى لعدّة أيام، قبل أن يتوقف قلبه بتاريخ 20/01/2025، حيث باءت محاولة نقله إلى العاصمة دمشق لتلقي العلاج، بالفشل، في حين خيّمت على العائلة غيمة حزنٍ قد لا تزول لفترةٍ طويلة، وسيبقى جرح فقدان الطفل الصغير مؤلماً لوالديه مدى الحياة، وتستنكر مها الظاهرة التي باتت خطراً على كل شخص قد يصادف وجوده في الخارج أثناء أيّ احتفالٍ شعبي، والذي ينتهي بفقدان أشخاص أبرياء لحياتهم/نّ.

 

ثمن الاحتفال .. أضرارٌ بشرية بسبب الرصاص العشوائي

 

في الثامن من شهر آب/أغسطس من العام 2024، كانت عائلة زهير صبحي في مدينة الدرباسية، على موعد مع نبأ حوّل حياتها إلى حزنٍ دائم، ولحظات مليئة بالدموع، حيث فقدت ابنها الوحيد نتيجة إصابته برصاصةٍ طائشة، كانت قد أُطلقت في حفل زفافٍ في مكانٍ مجاور لوجوده في تلك الساعة. 

 

يقول زهير إنّ ابنه محمد البالغ من العمر 14 عاماً، كان يشاهد مباراةً لكرة القدم في ملعب المدينة، وسرعان ما سقط على الأرض، حيث تلقّت العائلة اتصالاً هاتفياً يخبرها أن محمد قد أغمي عليه، وتم نقله إلى المستوصف، وبعد إجراء صورةٍ شعاعية له في إحدى مشافي مدينة قامشلي، تبيّن وجود طلقة مستقرة في الرأس. 

 

رغم المحاولات لإنقاذ حياته، فارق محمد الحياة أثناء نقله إلى دمشق بهدف إجراء جراحة عاجلة، بحسب ما أوضحه زهير، الذي أنهى حديثه بقوله: “هم يفرحون، ويزرعون ألماً في قلوبنا، واليوم باتت احتفالات الناس بالرصاص، كابوساً يلاحقنا جميعاً.”

 

لا تتوقف حدود تأثيرات الاحتفال بالرصاص العشوائي على أهالي الضحايا فقط، بل امتدت لتحرم أهالي مدن شمال شرقي سوريا من أية فرصة للتجمع والاحتفال في أيّة مناسبة كانت، حيث تصف زينب شيخموس من أهالي مدينة قامشلي، كيف غيّرت هذه الظاهرة طريقة احتفالها بأية مناسبة عامة. 

 

“كثيراً ما أرفض حضور المناسبات الاجتماعية نتيجة ظاهرة الاحتفال عبر إطلاق الرصاص العشوائي، وحتى داخل المنزل، فإنني أقوم بإغلاق النوافذ أثناء الاحتفالات، خوفاً من أن تخترق رصاصة طائشة إحدى النوافذ وتسبب لنا كارثة.” تقول زينب وتشير إلى أنّها حُرمت من لحظات كثيرة قد تكون فرصة للتجمع مع الناس أو الشعور ببعض الفرح كما كان يحدث سابقاً، من قبيل مشاهدة الألعاب النارية في احتفالات رأس السنة، أما الآن، فإنّ كل احتفال، يحمل معه خطر فقدان أحد ما لحياته نتيجة الرصاص الطائش. 

 

“حين كنت صغيراً، وأثناء الاحتفال بزفاف أحد أقربائي، ولكثرة إطلاق الرصاص بالقرب منا، بدأت أعاني من فوبيا الأصوات المرتفعة، ومن ضمنها أصوات إطلاق الرصاص الكثيف.” يقول مهدي الذي اختار اسماً مستعاراً للحديث عن ظاهرة الرصاص الطائش ومدى تأثيره على الحياة المجتمعية في مختلف مدن المنطقة. 

 

يشير مهدي إلى أنه لم يسبق له أن حضر أيّاً من احتفالات رأس السنة في مدينته، خشيةً من الأصوات العالية سواءً أكانت رصاصاً أم ألعاباً نارية، وقد خلقت حالة الخوف الشديد هذه عداءً لدى مهدي مع من يقوم بإطلاق الرصاص العشوائي أثناء المناسبات المجتمعية. 

 

على الرغم من وجود قرارات تخص معاقبة مُطلقي الرصاص العشوائي في المناسبات، إلا أنّه يبدو وكأنه قرار شكلي، حيث لم يطرأ أي تغيير أو تناقص لهذه الظاهرة داخل مدن المنطقة، بحسب ما يشير إليه مهدي، ويوضح أنّه في ظل زيادة نسبة هؤلاء، يصعب السيطرة على الوضع أمنياً، في ظل الانتشار الكبير للأسلحة لدى نسبة كبيرة من الأهالي، ولا يمكن ردع هذه الظاهرة دون إلقاء القبض على البعض منهم، ومعاقبتهم. 

 

من المسؤول؟ غياب الوعي أم ضعف الرقابة القانونية؟

 

إنّ مواجهة ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات، هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المجتمع والجهات المسؤولة معاً، بحسب ما تراه الباحثة رنده حمو، التي تؤكّد على أنه لا يمكن الحد من هذه الظاهرة دون وجود قوانين ضابطة وصارمة لإيقاف استخدام السلاح بظل انتشارها الموسع. 

 

وتضيف رندة أنه هناك حاجة ماسّة لوعي مجتمعي لمخاطر هذه الظاهرة وضررها، كما أنه من المهم، بحسب وجهة نظر رندة، فتح قنوات مباشرة للإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات، ووضوح آليات المحاسبة وتطبيقها، من شأنها أن تكون وسيلة فعّالة لردع المخالفين والغير ملتزمين بالقانون.

 

“لدى مجتمعاتنا في المنطقة سلوكيات كثيرة وغنية في التعبير عن فرحها وحزنها في مناسباتها وهي جزء من هويتنا، وسيكون إحياء هذه التقاليد منها الغناء، والرقص والعزف والرثاء، وعلينا أن نعي خطورة ظاهرة إطلاق الرصاص التي كانت نادرة الانتشار، والتي لا تتناسب ثقافتنا التي نسعى أن نعيشها بسلام.” تقول رندة.

 

من جهته، يؤكد الناشط المدني فرهاد أحمه أن ظاهرة إطلاق النار العشوائي أصبحت واحدة من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمع في منطقة الجزيرة بشمال شرقي سوريا، في ظل عدم اتّخاذ الإدارة الذاتية أية إجراءات قانونية رادعة، رغم تزايد أعداد الضحايا في كل مناسبة.

 

ويشدد فرهاد على أهمية تنظيم حمل السلاح ومنع اقتنائه إلا برخصة قانونية، إضافةً إلى فرض عقوبات مالية وسجن، صارمة، ضد المتورطين، كما أنه من الضروري من وجهة نظره، إلزام مرتكبي هذه الانتهاكات بتحمل التكاليف المالية الناتجة عن الإصابات أو الوفاة، بما يشمل تعويضات مالية ضخمة، ويضيف: “ينبغي أن تكون المحاكمات في مثل هذه القضايا علنية، وأن تترافق مع حملات إعلامية لزيادة وعي المجتمع بخطورة هذه الظاهرة.”