“موسمنا الزراعي لهذا العام مرهون برحمة الله، فالمؤشرات لا تبشّر بالخير، يبدو أننا سنواجه خسائر فادحة، فالأمل كان بأمطار شهريّ آذار ونيسان،” يقول عبد الرحمن محمد المزراع من مدينة ديريك/المالكية والذي يملك 10 هكتارات من الأراضي الزراعية.
ويشير عبد الرحمن أن اعتماده الرئيسي من حيث تأمين المعيشة على الزراعة، وفيما لو خسر الموسم، فلن يتمكن من إطعام أولاده، أو تلبية احتياجات عائلته الرئيسية، “لقد دفعنا مبالغ طائلة مقابل الحراثة، والبذار، والأدوية الزراعية، إذ بلغت تكلفة حراثة الدونم الواحد 20 دولاراً (ما يقارب 200 ألف ليرة سورية)، ووصل سعر الكيلو الواحد من البذار إلى 2500 ليرة سورية؛ حتى مواشينا فإنها مهددة بالجوع.” يقول عبد الرحمن.
ويشدد عبد الرحمن على ضرورة توفير الدعم من خلال تأمين المحروقات بأسعار مناسبة، خصوصاً للمزارعين الذين لا يملكون آباراً، مؤكداً أهمية تعويض المتضررين عبر توفير البذار للموسم القادم بأسعار رمزية أو بنظام الدين.
يشهد الواقع الزراعي في شمال شرقي سوريا، خصوصاً في محافظتي الرقة والحسكة، تدهوراً غير مسبوقاً هذا الموسم نتيجة شحّ الأمطار وغياب الدعم الكافي، ما أدى إلى تضرر واسع في المحاصيل الزراعية، لاسيما في المناطق التي تعتمد على الزراعة البعلية، ويكابد المزارعون أعباءً مالية جسيمة، وسط مخاوف من تكرار سيناريو الخسائر لأعوامٍ متتالية.
محصول القمح في مهبّ الخسائر، والدعم محدود
“لم نرَ خيراً هذا العام، فكمية الأمطار قليلة جداً، والدعم الحكومي شبه معدوم، لذا فقد اضطررنا إلى تحمّل التكاليف بأنفسنا، من الحراثة، والتسميد، والسقاية،” يقول إبراهيم الكنّو المزارع من قرية خويبرا بريف بلدة الشدادي، ويوضح أنه قام بزراعة القمح والكمون، لكن الكمون تحديداً لم ينمُ كما ينبغي، وبالتالي فإنه قد تكبّد خسائر كبيرة، بلغت أكثر من 25 دولارٍ أمريكي على الدونم الواحد (أكثر من 260 ألف ليرة سورية)، وقد قام بزراعة خمسين دونم لهذا العام.
من جهته، يرى المهندس الزراعي أحمد العبد لله من مدينة الرقة، أن الواقع الزراعي في ريف المدينة يعاني من تراجعٍ شديد نتيجة ضعف الموسم وشحّ الأمطار، مما انعكس سلباً على الزراعة البعلية وتسبب بخسائر كبيرة في المحاصيل، أما الزراعة المروية فكان وضعها أفضل نسبياً، إلا أن الظروف العامة أثرت عليها، خاصة المحاصيل التي تتطلب مناخاً معيناً مثل الكمون.
وأكد أحمد أنّ الخسائر التي تكبّدها المزارعون في الموسم الماضي قد تتكرر هذا العام، ما لم تُقدَّم لهم أشكال مناسبة من الدعم، لاسيما فيما يتعلق بتسعير محصول القمح.
“بذلنا جهداً كبيراً هذا الموسم، وتكبدنا مصاريف كبيرة، لكن الإنتاج كان ضعيفاً، والمردود لا يعوّض حتى جزءاً من التكاليف،” يقول أبو زياد المزارع من قرية الحمرا بريف الشدادي الجنوبي، ويضيف أنه في الموسم الماضي، تم شراء محصول القمح بسعر بخس، لم يكفِ حتى لتغطية ما أنفقوه، لذا فإنه يطالب هذا العام بتحديد سعر عادل للقمح، لا يقل عن 75 سنتاً للكيلوغرام الواحد، لكي يتمكن مزارعو المنطقة من الاستمرار في الزراعة.
ويتابع أبو زياد: “مقارنةً بالسنوات السابقة، هناك فرق شاسع، في الماضي، كانت كل مستلزمات الزراعة متوفرة بأسعار مدعومة، وكنا نتمكن من تحسين حياتنا من عائد كل موسم، أما اليوم، فكل ما نطمح إليه هو الحصول على ما يكفينا من الخبز فقط.”
وتقول المهندسة الزراعية كينا علي إن غالبية مزارعي المنطقة يعتمدون على الزراعة البعلية، ما يجعلهم عرضة للخسائر في حال شحّ الأمطار، وتوصي بدعمهم عبر تمكينهم من حفر آبار زراعية، وتزويدهم بالبذار والأسمدة لمحاصيل الزراعة المروية، لاسيما بعد فشل الموسم الحالي.
وتضيف كينا أن حفر الآبار الزراعية سيسهم في تنشيط القطاع الزراعي لسنوات قادمة، وسيشكل حماية جزئية للمزارعين من آثار التغيرات المناخية.
“الوضع الزراعي في الشدادي سيئ للغاية نتيجة قلة الأمطار، زرعتُ خمسين دونماً بالاعتماد على الزراعة البعلية، لكنها لم تحصل على كميات كافية من المياه، ما أدى إلى تلف المحاصيل وخسائر كبيرة في تكلفة الحراثة والبذار، أما الزراعة المروية فكانت أفضل نسبياً، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة. أما الكمون، فلم تتوفر له الظروف الملائمة للنمو، وتكبّدنا فيه خسائر كبيرة.” يقول عواد الخلف مزراع من ريف بلدة الشدادي.
وتوضّح نسرين خضر، من إدارة مؤسسة الزراعة في الشدادي، إن الواقع الزراعي تأثر بشدة نتيجة الجفاف، وقلة الأمطار، إلى جانب تأثير الصقيع والمنخفضات الجوية التي تسببت باصفرار النباتات.
وتضيف أن أبرز الصعوبات التي يواجهها المزارعون تشمل: نقص مادة المحروقات وارتفاع أسعارها، إلى جانب ارتفاع أسعار الأسمدة، والجفاف العام في المنطقة.
كما تشير نسرين إلى أنه تم توزيع دفعتين من المحروقات، إلى جانب توفير الأسمدة بأسعار مدعومة، وتتفاوت كميات المحروقات المخصصة حسب عمق البئر وحجم المحرك، وتتراوح بين 12 إلى 25 لتراً للدونم الواحد بسعر 1350 ليرة سورية.
أما سارة العطية، الرئاسة المشتركة لمكتب الشؤون الزراعية في شمال شرق سوريا، فإنها تقول إن قلة الأمطار هذا الموسم أدت إلى خروج مساحات واسعة من الأراضي البعلية عن الخدمة، ولم يتبق سوى الأراضي المروية التي أصبحت محور التركيز للحصول على إنتاجية جيدة.
وتضيف: “نواصل توزيع مادة المازوت المدعوم، حيث بدأت الدفعة الثالثة في عدد من المناطق، كما دعمنا المحاصيل الصيفية مثل الخضار عبر توفير المازوت والسماد العضوي، الذي بلغ سعر الطن الواحد منه 140 دولاراً (ما يقارب من مليون و512 ألف ليرة سورية)، ويأتي هذا الدعم ضمن أهداف تحقيق الاكتفاء الذاتي.”
وأشارت سارة إلى أن التحديات الأساسية التي تواجه الزراعة هي التغيرات المناخية القاسية، وانتشار الآفات والحشرات، والأمراض الفطرية، بالإضافة إلى عدم استقرار الأسعار في الأسواق المحلية، وتوضّح أن المساحات المروية الإجمالية بلغت نحو 4 ملايين و738 ألف دونم، من بينها 3 ملايين و240 ألف دونم مزروعة بالقمح المروي.