جرّات الغاز… قنابل داخل البيوت

“انفجرت الجرة، واشتعل وجهي بالنار،” بهذه الكلمات يصف مالك كوركيس من مدينة قامشلي الحادثة التي غيّرت مجرى حياته قبل عامين، أثناء عمله في محمصة للبن وسط المدينة.

“نستخدم الجرّات المنزلية لتشغيل المحامص، إذ لا تتوفر لدينا جرّات مخصصة للاستخدام التجاري، وكانت إحدى الجرّات تالفة، وتتسرّب منها رائحة الغاز، لكننا لم نأخذ الأمر بجدية، وفجأة، حصل تماس كهربائي؛ وفي لحظة واحدة، انفجرت الجرة.”

يتوقف مالك لبرهة، يضع يده على خده المتضرر، وكأنه يستعيد مرارة ما مرّ به، ويكمل:”الانفجار كان هائلاً، تلاه حريق كبير داخل المحل، ووصلت النيران مباشرة إلى وجهي، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ على الأرض، ونُقلت إلى المستشفى، وقد التهم الحريق ثلث وجهي، لأدخل في رحلة علاج استمرت لثلاثة أشهر.”

حادثة أخرى كادت أن تتحول إلى مأساة ترويها سلام عبد الرحمن من مدينة الدرباسية، عندما كاد تسرب للغاز في منزلها أن يودي بحياة أسرتها، “اشترينا جرّة جديدة من السوق، وكانت تبدو سليمة من الخارج، لكن في منتصف الليل، استيقظنا على رائحة غاز قوية، ذهبتُ إلى المطبخ وتفقدت الجرة، وفي لحظة ارتباك، أشعلت قدّاحة صغيرة لأرى موضع التسريب… فاشتعلت الجرّة بسرعة كبيرة، وامتدت ألسنة اللهب إلى أرضية المطبخ.” تقول سلام.

أخمدت سلام وعائلتها النيران بصعوبة، وذلك باستخدام الأقمشة المبللة، إلا أن رائحة الغاز بقيت عالقة في أرجاء المنزل لأكثر من أسبوع، الأمر الذي سبب إصابة أفراد العائلة بحساسية في الصدر وسعال شديد. 

جرّات الغاز تثير الذعر في الأحياء 

تشكل رداءة جرّات الغاز أزمة متفاقمة في شمال شرقي سوريا، حيث تحولت إلى مصدر دائم للخطر في المنازل والمحال التجارية، والمطاعم، ويعتمد السكان والساكنات على جِرّات قديمة، تفتقر إلى الصيانة، ومعظمها بصمامات معطوبة أو تالفة، وذلك بحسب العديد من الأهالي ممن قابلتهم/نّ معدّة التقرير.

يقول هؤلاء الأهالي إنهم/نّ يلجؤون إلى فحص الجرّات يدوياً، عبر سكب الماء المخلوط بالصابون أو التحقق من وجود تسرب عبر الشم، ورغم هذه الاحتياطات، تتكرر الحوادث والانفجارات، ويضطر البعض إلى إعادة تعبئة الغاز في جرّات أخرى أكثر أماناً لتفادي الكوارث.

في حي آخر من مدينة الدرباسية، تتذكر سوسن حمدي، السيدة الخمسينية، صباحاً مرعباً من عام 2014، قائلة: “عند العاشرة والنصف صباحاً، هزّ انفجار عنيف أرجاء الحي، ليتبين لاحقاً أن جيراننا كانوا يُحمّلون الجرّات على شاحنة صغيرة، وقد تسرب الغاز من إحدى الجرّات التالفة، ويبدو أن أحدهم أشعل ناراً، فانفجرت الجرّة، وتلاها انفجار جِرّتين أخريين؛ كانت أصوات الانفجارات مرعبة، وكأننا تحت القصف.”

تقول سوسن إن نوافذ المنزل تحطمت، وفرّ الناس من الحي، وتستذكر الحالة التي مرت بها إحدى جاراتها التي خرجت تصرخ، باحثة عن ابنتها التي كانت في المدرسة، وتطرق الأبواب بجسدٍ مرتجف، مشيرةً إلى أن أهالي الحي لم يعودوا إليه إلا بعد مرور عدة أيام من شدة الخوف.

“اليوم، في كل مرة نشتري فيها جِرّة غاز، نعيش قلقاً شديداً، أحياناً نقوم بتركيب الجرة ونكتشف على الفور أن صمامها مكسور، ولا توجد جهة مسؤولة تستبدلها أو تعوضنا.” تقول سوسن. 

لا يقتصر استخدام جرّات الغاز على المنازل، بل يعتمد عليها الكثير من أصحاب وصاحبات الورشات والمحال التجارية، لكن معظم الجرّات غير مخصصة لهذا النوع من الاستخدام، مما يزيد احتمالية الحوادث والانفجارات، ويؤكد الأهالي أن انعدام الجرّات الحديثة أو الآمنة، وعدم وجود جهة رقابية لفحصها، يجعلها أشبه بـ”قنابل موقوتة” داخل البيوت والمحال، كما وصفها الأهاليا.

التسريب الخفي لجرّات الغاز أخطر من اللهب

عطية العباس، عنصر في فوج الإطفاء بمدينة قامشلي، يوضح خطورة حرائق الغاز، ويقول: “حرائق الغاز من أخطر الحرائق، فهو سريع الاشتعال، وينفجر عند أقل شرارة، وإذا اشتعلت النار في رأس الجرة، يمكن تغطيتها ببطانية مبللة أو باستخدام مطفأة بودرة، أما إذا امتدت النار للمكان المحيط، فالخطر أكبر ويجب الاتصال بنا فوراً.”

ويضيف عطية أنّ أهم إجراء عند تسرّب الغاز هو تجنب تشغيل أو إطفاء المفاتيح الكهربائية أو إشعال النار، فالجرّات المغلقة المشبعة بالغاز أخطر من المفتوحة، لأن الغاز يتجمع وينفجر عند أي شرارة، حتى من قدّاحة بسيطة.”

ويؤكد عطية أن فوج الإطفاء في مدينة قامشلي كان قد تعامل خلال عام 2024 مع أربع حالات حرائق في المدينة بسبب انفجار جرّات غاز، وكانت جميعها نتيجةً إما لتلف في الصمامات أو لعيوب فيها.

من جهته، يوضح أحمد عيسو حج موسى، معتمد غاز ورئيس كومين (المجلس المحلي) في أحد أحياء مدينة الدرباسية، أن مشكلة الجرّات التالفة هي مشكلة شائعة، ويقول: “نستلم الجرّات من المستودعات ولا نعرف حالتها، وهناك جرّات تخرج من المركز وهي تالفة، وغالباً ما تكون المشكلة في الصمام، وحين يشتكي المواطن، نضطر لإعادتها، لكننا نُجبر على دفع ثمن الصمام.”

ويضيف أحمد أنه لا يوجد مركز فحص أو صيانة للجرات قبل توزيعها، وهو السبب الرئيسي للمشكلة، وطالب بوجود جهة مختصة لفحص الجرّات وضمان سلامتها، مؤكداً أن جميع الكومينات تعاني من المشكلة نفسها، ويشير إلى انخفاض جودة التعبئة، حيث كانت الجرّة سابقاً تكفي لما يقارب من 40 يوماً، أما اليوم فإنها لا تدوم حتى 15 يومًا، لأن تعبئتها أقل، والجودة متراجعة، رغم أن سعرها في السوق السوداء قد يصل إلى 130 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يتناسب مع دخل الفرد في المنطقة.

“وثّقنا عدة حالات لجرّات معطوبة، لكننا لم نتلقَّ أي رد، ومن الضروري فرض رقابة على مراكز التعبئة، وإجراء فحص دوري للجرّات، وإلا ستستمر الحوادث… والضحايا دائماً من السكان.” يقول أحمد.