لا يمكن لأي خبر يتناول رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عن سوريا أن يمرّ دون أن يُحدث وقعاً كبيراً في نفوس السوريين/ات، حتى لو بقي هذا الأمل معلقاً كما الغريق الذي يتشبث بقشة.
شكّل القرار مفاجأةً سياسية واقتصادية مدوية، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى الرياض في 13 أيار/مايو 2025، عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وسرعان ما تبعه قرار آخر لا يقل أهمية، تمثّل بإعلان الاتحاد الأوروبي رفع كامل العقوبات عن دمشق بتاريخ 20 أيار/مايو 2025.
وفي أول رد فعل رسمي، رحّبت وزارة الخارجية السورية بالقرار، واعتبرته “خطوةً إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو تخفيف المعاناة الاقتصادية والإنسانية”.
من جهته، استقبل الشارع السوري القرار بمزيج من الترحيب والحذر، إذ لا تزال تفاصيله ضبابية في ظل غياب الوضوح حول ماهية القطاعات المشمولة برفع أو تخفيف العقوبات، مما دفع البعض للتشكيك في الأثر العملي الفوري لهذه الخطوة.
رؤية اقتصادية مشروطة
الخبير والباحث في الشأن الاقتصادي، جلنك عمر، يرى أن قرار تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية يُعد خطوة أولى إيجابية من شأنها أن تفتح المجال نحو مرحلة التعافي، وإعادة الإعمار، موضّحاً أن رفع العقوبات من شأنه تسهيل العمليات المالية والبنكية، وهو ما قد ينعكس مباشرة على إمكانية تمويل حوامل الطاقة، وبالتالي تحسين شروط استيراد المواد الأساسية للبنية التحتية، وهي شرط لازم للبدء في مشاريع إعادة الإعمار وتهيئة البيئة لعودة النازحين/ات والمهجرين/ات.
ورغم ما سبق، لا يرى عمر أن هذه الخطوة وحدها كافية لتحقيق الانتعاش المنشود، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري خسر أكثر من 500 مليار دولار خلال سنوات الحرب، كما أن الناتج المحلي الإجمالي فقدَ ما يزيد عن 80% من قيمته، بينما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، في ظل تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة.
ويؤكّد عمر أن رفع العقوبات لن يؤدي إلى نتائج ملموسة ما لم يترافق مع إجراءات جوهرية تتعلق بالحوكمة والشفافية، ويقول: “نحتاج إلى حوكمة شفافة، ووجود حكومة شاملة وتمثيلية تضم مختلف المجتمعات السورية، قادرة على إدارة تدفق التمويل الخارجي والاستثمارات المحتملة بطريقة تصب في مصلحة المواطن/ة السوري/ة، وتحمي الأموال من الفساد والاحتكار.”
ويؤكد أنه بالنظر للعمر الزمني الذي شهده الاقتصاد السوري من انهيار وخسائر، فإنه لا يحتاج فقط لفتح القنوات البنكية، بل لقرارات مكمّلة تعيد تحريك عجلة الإنتاج وتسن قوانين داخلية ناظمة تكون عادلة وشرعية، معتبراً أن “القرار ليس عصاً سحرية”، وإنما يتطلب وقتاً وجهداً وتطبيقاً فعلياً على الأرض حتى تُلمس نتائجه على أرض الواقع.
تحركات رسمية مشجعة
من جهةٍ أخرى، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بتاريخ 23 أيار/مايو “الرخصة العامة رقم 25” (GL 25)، والتي تتيح إجراء معاملات مالية مع الحكومة السورية، بما في ذلك البنك المركزي ومؤسسات الدولة، كما أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاءً من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، لمدة 180 يوماً، يهدف إلى تسهيل تدفق الاستثمارات الخارجية نحو سوريا، وتحسين تقديم الخدمات الأساسية، خاصة الكهرباء والمياه.
رغم التفاؤل الحذر، يرى العديد من السوريين/ات أن أي انتعاش اقتصادي حقيقي سيبقى مرهوناً بجملةٍ من العوامل، تتجاوز مجرد تخفيف العقوبات، لتشمل تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز دور المؤسسات، وضمان العدالة في توزيع الموارد.
وفي ظل استمرار تردي الخدمات الأساسية وتآكل الطبقة المتوسطة، يبدو أن السوريين/ات لا يزالون يعيشون على هامش الأمل، بانتظار أن تترجم الوعود الدولية إلى خطوات ملموسة على الأرض.
“رفع العقوبات خطوة جيدة لكنها لا تكفي وحدها،”يقول عمر، مضيفاً أن الطريق طويل، لكنه يبدأ دائماً بخطوة.
جدير بالذكر أن وزارة الخزانة الأميركية أصدرت بتاريخ 23 أيار/مايو الرخصة العامة رقم 25″” (GL 25)، التي تسمح بإجراء معاملات مالية مع الحكومة السورية، بالإضافة إلى بنك سوريا المركزي ومؤسسات الدولة.
كما أصدرت وزارة الخارجية إعفاء لمدة 180 يوما من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر لتسهيل الاستثمارات وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.