الجمال الجديد .. إقبال لا متناهي على جراحات التجميل بشمال شرقي سوريا

“شعرتُ بصدمةٍ كبيرة حين سمعت قرار الطبيبة أنها ستجري عملية تجميل لأنفي في عيادتها الخاصة، والتي افتقرت لغالبية احتياجات العمليات من أجهزة ومعدات وأدوية، ولم أتمكن من التراجع عن العملية نتيجة معاناتي من انحراف الوتيرة لسنوات عديدة،” تقول علياء (اسم مستعار لسيدة ثلاثينية من مدينة قامشلي).

خاضت علياء تجربتها الأولى مع عمليات التجميل في العام 2020، مبررة ذلك أنها تعرّضت لانتقادات عديدة متعلقة بشكل أنفها، وقد بلغت تكلفة العملية 100 دولار أمريكي حينها، ما يقارب مليون ونصف المليون ليرة سورية حالياً في العام 2024.

وصفت علياء العملية التي أجرتها بـ “الفاشلة” حيث تبعتها مشكلات في التنفس، وكانت صعوبة التنفس تزداد أثناء النوم، ما سبّبَ لها حالة متكررة من الاختناق نتيجةً لانسداد مجرى التنفس، عدا عن معاناتها مع الشخير الذي لازمها بعد إجراء العملية، والذي لم تعانِ منه يوماً قبل ذلك.

تعتبر علياء نفسها ضحية لعمليات التجميل غير الناجحة، والتي تزداد بشكلٍ ملحوظ في الآونة الأخيرة في شمال شرقي سوريا، كما تصفها بأنها تحوّلت إلى “تجارةٍ مُربحة” في ظل الإقبال غير المسبوق لإجراء هذه العمليات على اختلاف أنواعها.

وتواصلت معدّة التقرير مع العديد من مراكز التجميل، والأطباء والطبيبات المتخصصين/ات، بهدف الحصول على بعض البيانات لأعداد عمليات التجميل التي أجريت خلال السنوات الماضية وحتى الآن، إلا أنها لم تتلقّ الاستجابة منهم/نّ البتّة، كما رغبت السيدات اللواتي شاركن تجاربهن مع عمليات التجميل في الحديث باسم مستعار لأسباب متعلقة بالخوف من الوصم أو النقد.

في الوقت نفسه من اعتبار علياء نفسها ضحية لعملية تجميل فشلت بحسب وجهة نظرها، فإن هناك سيدات خضعن لعمليات ليست بالسهلة، فقد كنّ راضياتٍ تماماً عن النتيجة التي تتماشى مع “معايير الجمال” التي يحددها عليها المجتمع، فقد خضعت هدى (اسم مستعار لسيدة أربعينية من مدينة الدرباسية) لعملية “شفط الدهون” من منطقة البطن وشدّها في العام الفائت 2023، في عمليةٍ بلغت تكلفتها 700 دولار أمريكي (ما يُقارب عشرة مليون وثمانمئة ألف ليرة سورية)، واتّخذت هدى القرار بعد إنجابها توأم ثلاثي، الأمر الذي تسبب لها بحدوث ترهّل شديد في منطقة البطن، منعها من ممارسة حياتها بشكلٍ طبيعي، بسبب الآلام في ظهرها ومفاصلها، بحسب قولها.

“كنت أشعر بإحراجٍ كبير من ترهّل بطني، في مجتمعٍ يفرض علينا أن نكنّ جميلات في كل الأوقات، دون مراعاة للظروف التي نعايشها، ولفترةٍ من الزمن آثرتُ البقاء في المنزل، لذا فقد كان الإجراء الجراحي للتجميل كان الحل بالنسبة لي.” تقول هدى.

عمليات تجميل أدت لتشوهات مع استمرار الرغبة في تكرارها للوصول إلى النتيجة المرجوّة

لطيفة هو اسمٌ مستعار لسيدة عشرينية من مدينة قامشلي، تعرّضت لمضاعفاتٍ بعد إجراء حقن لنفخ الشفاه في أحد مراكز التجميل في المدينة، وعلِمت أن من تديرها لا تحمل شهادة اختصاص في إجراءات وعمليات التجميل.

“كانت شفّتي العليا صغيرة ولا يتماشى شكلها مع الشفاه الدارجة في الوقت الحالي، وكنت أشعر أنها تُخفي الكثير من جمال وجهي، لذا قررت حقنها للحصول على شفاه منفوخة بتكلفة 100 دولار أمريكي (ما يقارب مليون ونصف ليرة سورية) تقول لطيفة وتشير إلى أنّ شفّتها بدأت بالتورم وازداد الوضع سوءاً خلال 15 يوم بعد الحقن، وعند مراجعتها للمركز، قامت مديرة المركز بتنظيف “الخرّاج” الذي تسبّبت به الحقنة، وتعقيمه لإزالة الورم، ورغم ذلك، لا تُخفِ لطيفة رغبتها في تكرار التجربة، بهدف التماشي مع معايير الجمال في الوقت الحالي.

في بعض الحالات التي تحتاج إلى إجراء عملية تجميلية لأسباب صحية، تحدث “مبالغة” في العملية وتظهر النتيجة غير مُرضية للمريض/ة، كما هو الحال بالنسبة لنرجس (اسم مستعار لسيدة عشرينية من مدينة عامودا)، والتي اضطرت للخضوع لعملية في الأنف بعد تعرّضه للكسر في طفولتها، ما نتج عنه صعوبة في التنفس، لذا فقد احتاجت لتجميله ليعود لشكله الطبيعي.

“لم يكن إجراء العملية ناتجاً عن ضغطٍ مجتمعي، بل حاجتي لفتح مجرى التنفس، وتعديل شكل أنفي ليعود إلى طبيعته، إلا أن النتيجة لم ترضني البتّة.” تقول نرجس مشيرةً إلى أن العملية التي بلغت تكلفتها 300 دولار أمريكي (ما يقارب أربعة مليون ونصف مليون ليرة سورية)، لم تكن وفق النتيجة التي رغبت بها، فقد انسدّ التنفس كاملاً، الأمر الذي دفعها لإجراء عملية أخرى في إحدى المحافظات السورية عام 2022.

رغم تحسّن التنفس لدى نرجس بشكلٍ ملحوظ، إلا أن نتيجة العملية الأخرى لم ترضها أيضاً، وذلك لما قام به الطبيب من رفع ذروة الأنف وتغيير شكله، على عكس ما كانت ترغب به، وهو تصحيح مجرى التنفس وإعادة الأنف لشكله الطبيعي فقط.

أمّا رولا (اسم مستعار لسيدة من قامشلي)، فقد كانت معاناتها مختلفة، حيث أن إصابتها بمرض تكيّس المبايض أدى لظهور شعر غير مرغوب في جسدها، الأمر الذي دفعها لزيارة أحد المراكز في المدينة بهدف إزالة الشعر عبر أجهزة الليزر، إلا أنها تعرّضت لنتيجةٍ مؤلمة.

“تعرّضتُ لحروقٍ وقروح جلدية مع انتشار البثور في كل المناطق التي تعرّضت لجهاز الليزر في اليوم التالي للجلسة، واعتقدت في البداية أن الأمر طبيعي، حتى وصلت لمرحلة لم أحتمل فيها الألم.” تقول رولا وتضيف أنها راجعت المركز وما كان الإجراء سوى وصف بعض المراهم الملطّفة، بعد أن أرجع فريق المركز السبب إلى حساسية بشرتها، ومن ثم فقد أوقفت رولا جلسات الليزر بشكل تام، وذلك بعد تعرّضها للنتائج ذاتها في الجلسة الثانية، دون أن تلقَ سبباً واضحاً عمّ إذا كان عدم تعقيم الأجهزة أم استخدام عيارات خاطئة للجهاز، بحسب وجهة نظرها.

ازدياد الإقبال على التجميل، ضغوط مجتمعية أم تقليد أم حرية شخصية؟

كانت عمليات التجميل سابقاً تُعرف بعمليات الترميم، ويمكن تسمية الاتّجاه السائد للتجميل بـ “الحديث” وفق ما يراه مظلوم عيسو الاختصاصي في الجراحة العامة وجراحة البدانة والتجميل، الذي يُرجع السبب في زيادة الإقبال على عمليات التجميل إلى زيادة عدد مراكز التجميل المرخصة وغير المرخصة، والعمليات التي تُجرى على يد أطباء وطبيبات مختصين/ات، وأخرين/أخريات غير مختصين/ات، إلى جانب أسباب نفسية تعاني منها النساء الراغبات بالتجميل، ابتداءً من التسابق في تقليد بعضهنّ، واتّباع الدارج في صيحات التجميل، مع ضرورة عدم تجاهل دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هوس التجميل لدى النساء بشكل خاص.

ويوضح الطبيب مظلوم أن العمليات الأكثر انتشاراً في الوقت الحالي هي عمليات تجميل الأنف، وشد البطن، وشفط الدهون، والحقن لإجراءات تجميلية أخرى، مشدداً على أنه يجب إجراء عمليات تجميل للأنف في حالة حدوث تشوّه فقط.

“أرى أن نتائج التجميل في مناطقنا ستكون كارثية إذا ما أجريت على يد أناس غير مختصين، نظراً لافتقار أصحاب المراكز التجميلية للخبرة الطبية المطلوبة وغياب الرقابة، إضافة لانجرار المختصين وراء رغبات المرضى دون توضيح الأنسب طبياً، وبالنسبة لي لا أُجري العملية في حالات كثيرة منها عدم الحاجة أو الجدوى منها، وبرأيي أنه على الطبيب إبداء رأيه الطبي، وشرح تفاصيل العملية، وشرح الإجراء الأنسب للمريض من وجهة نظر طبية.” يقول مظلوم موضحاً أن السبب وراء الحاجة الطبية لعمليات شدّ ونحت البطن في المناطق الشرق أوسطية للولادات المتعددة لاسيّما مع إهمال ممارسة الرياضة للحوامل واتباع نظام غذائي غير سليم ما يؤدي لتراكم الدهون وحدوث ترهل في الجسم، ويشير مظلوم إلى أنه أجرى ما يقارب من 100 عملية تجميل خلال العام الحالي 2024.

أما سيماف حسن الناشطة المجتمعية من مدينة قامشلي، فإنها تستنكر تسمية الإجراءات المتّبعة في المنطقة بالتجميل، واصفةً إياها بـ “اتّباع الشائع مجتمعياً”، موضّحةً أن الأذواق الجمالية تتغير من فترةٍ لأخرى، حيث تظهر في إحدى الفترات موضة الشفاه المنفوخة، بينما تظهر في فترات أخرى الشفاه الدائرية، إلى جانب أشكال مختلفة من الأنوف والخدود، وتقوم النساء باتّباعها بشكلٍ أعمى.

وتشير سيماف إلى رغبة النساء “الطبيعية” بالبحث عن الإطراء وسماع المديح، لكن المبالغة في الجري الحثيث وراء هذه الرغبة يؤدّي بالفعل لحصر النساء في قالب الجمال، وإغفال الأدوار الأكثر أهمية، التي يمكن أن تشغلها المرأة في حال سعت لها، وتستكمل “يفرض المجتمع الشرقي على المرأة أن تكون جميلة على مدار اليوم، ما يشكّل عبء إضافي على النساء العاملات في مهن معيّنة تتطلب سرعة التجهيز للخروج للعمل.” وتضيف أنه من الضروري الاقتناع بالشكل الخارجي، والتركيز على النجاحات في الحياة العملية، وعدم هدر الوقت والجهد في محاولة إثارة الإعجاب بالجمال.

عوضاً عن الحالة التي يجب حصر عمليات التجميل فيها في حالات التشوّه سواءً أكان خلقياً أو نتيجة ظرف معيّن، فقد بات سبباً لتشويه طبيعة البشر، بحسب ما يراه رمو علي مقدّم البرامج التلفزيونية المنحدر من مدينة قامشلي، مشيراً إلى أنه يرى الملامح التي خضعت لعمليات التجميل باتت باردة ولا تتمكن من إبداء أي تعبير حي في الوجه لما تؤثر هذه العمليات على أعصاب وعضلات الوجه.

ويُرجع رمو السبب وراء التهافت لإجراء عمليات التجميل هو انعدام الثقة بالنفس، وحالة عدم الرضا عن الشكل الطبيعي، إلى جانب استغلال هذه العوامل من قبل الرأسمالية التي حوّلتها إلى تجارة مربحة وتحوّل الجسد إلى سلعة، وبشكل خاص النساء، ويستكمل “تكون المناطق الشرق أوسطية من أكثر المناطق عرضة لضحايا لتحوّل عمليات التجميل إلى تجارة، نظراً لسوء جودة المواد المستخدمة في مختلف أنواع هذه العمليات.” يقول رمو.

وفي وجهة نظر مختلفة نوعاً ما، فإن الناشطة رولا عثمان ترى أنه تشكّلت معايير الجمال العامة والخاصة بالنساء تحديداً اعتماداً على الفرضية الاستعمارية المؤمنة بتفوّق العرق الأبيض شكلاً ومضموناً، فتبنّت الرأسمالية العالمية السمات الأوروبية البيضاء كمُحددات أساسية وثابتة وإقصائية، خالقةً بذلك نقاط ضعف وهمية يشعر بها الأفراد حيال مظهرهم/نّ، تعود بدورها بالنفع للنظام الرأسمالي عينه، عبر تغذية الأفراد لاقتصاداته المتنوعة في مجال التجميل والأزياء، مدفوعين/ ات بالحاجة للامتثال لمعايير جسدية مقبولة عالمياً كالأنف الصغير، ولون البشرة البيضاء، والشعر الأشقر وغيرها. تتبدل تلك المعايير عبر الزمن والثقافات، ولكن تبقى هيمنة العرق الأبيض عليها عنصراً أساسياً بارزاً.

وتشير رولا إلى أنه بالإضافة للرأسمالية والثقافة الاستعمارية، تلعب الذكورية كذلك دوراً أساسياً، وذلك باستهداف النساء كجمهور أساسي للصناعة التجميلية، عن طريق تشييئهنّ وحصر قيمتهنّ بأشكالهنّ أولاً، قبل أيّ جانب آخر من وجودهنّ الإنساني. فعلى مدار السنين يعمل الإعلام بأنواعه المختلفة على تصدير صورة موحدة لما يسميه “امرأة جميلة”. وجاءت منصات التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي لتستكمل المسيرة عينها، وإنما بتأثير أشد وأوسع انتشاراً.

وتشدّد رولا أنه لا يجب الحد من أو إنهاء أو تشجيع إقبال النساء على عمليات التجميل، فهو أمر متعلق بهنّ فقط، ولا يحق لأي شخص أو جهة محاولة مصادرة وكالتهنّ. في الوقت عينه، فإنها تشجع على محاربة الثقافة الاستعمارية والرأسمالية والذكورية المستشرية في المجتمع والسياسة والقانون والاقتصاد وغيرها، وذلك عبر آليات هيكلية ومتنوعة المداخل تستهدف جذور اللاعدالة وأشكالها المختلفة.

وبحسب رولا، يصبح ذلك عملياً بطرق متعددة فيمكن للخطاب الإعلامي المُراعي للعدالة الاجتماعية المساهمة في تحقيقها عن طريق تضمين التنوع والتعددية في الصور الجسمانية التي يصدّرها، وتثمين كافة جوانب التواجد الإنساني لكل الفئات الاجتماعية بشكل متوازن، بالإضافة إلى دوره في تسليط الضوء على كافة أشكال التمييز ومجالاته، وبالنسبة للقطاع الصحي مثلاً، فمن الضروري التأكد من عدم استغلال النساء أو محاولة التلاعب بهنّ بهدف تحقيق الأرباح. كما لا يمكن الاستغناء عن دور المدافعات/ين عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في مواقعهنّ/م المهنية المختلفة، لتنعم النساء وجميع الفئات الاجتماعية بحرية الاختيار والعيش بعيداً عن الضغوط والمؤثرات الناتجة عن اللاعدالة العالمية.