الطاقة المفرطة: قصص لأطفال وطفلات ADHD

كثير الحركة، وقليل التركيز، وفوضوي، وسريع الانفعال، تلك الصفات لازمت لؤي (اسم مستعار لشاب عشريني من مدينة قامشلي) طيلة حياته منذ الطفولة، الأمر الذي كان يُشعره بجلد الذات، كما أنّ شخصيته تشرّبت الكثير من تلك الصفات نتيجة تكرارها على مسامعه، وما زاد الطين بلّة، هو التشخيص الخاطىء لحالته الصحية.

يقول لؤي إنه علِم مؤخراً أنّ ما عاشه من معاناة طيلة حياته، كانت نتيجة إصابته باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، وذلك من خلال مقطع فيديو شاهده على أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، والذي كان يشرح، بوصفٍ دقيق، معظم ما عايشه لؤي من قلة تركيز في الحصص المدرسية حتى تخرّج من كلية الهندسة المعلوماتية في العام 2022.

ويُعرف اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) على أنّه حالة مزمنة تصيب ملايين الأطفال والطفلات، وغالباً ما تستمرُّ في مرحلة البلوغ. ويتضمَّن اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط مجموعة من المشكلات المستمرة، مثل صعوبة الحفاظ على الانتباه، وفرط النشاط، والسلوك الاندفاعي.

اختارت مها أيضاً من مدينة قامشلي، اسماً مستعاراً للحديث عن الحالة التي يعايشها طفلها البالغ من العمر ثماني سنوات، حيث بدأت تزيد لديه نوبات الغضب مذ بلغ الثالثة من عمره، وكثيراً ما كان يبكي ويقوم بضرب أفراد العائلة، وكان يقوم برمي الأغراض بشكل عشوائي، وفي تلك الأثناء كانت تواجه العائلة صعوبة كبيرة في تهدئته، بحسب ما ترويه الأم.

“امتثالاً لنصيحة أحد الأقارب، قمنا بتسجيله في إحدى الحضانات، إلا أنها، ونتيجةً لسلوكه العنيف مع باقي الأطفال، اعتذرت عن استقباله بعد شهرٍ من تسجيله فيها.” تقول مها، وتشير إلى أنها زارت طبيباً مختصاً، وبعد إجراء الفحوص الطبية اللازمة، تبيّن أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة، حيث تلقّى الطفل علاجاً اقتصر على بعض الفيتامينات، ونوع من الأدوية العصبية، لعدّة أشهر، وبدأت العائلة تلحظ تحسناً في حالته النفسية والحركية، وخفّت نوبات الغضب، إلا أنه لا زال كثير الحركة ويعاني من شرود متكرر في الحصص المدرسية.

من الخطورة الاستخفاف باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة

“كان طفلي هادئ الطباع، ويتمتع بصحة جيدة، ويأكل جيداً، لكنه كان يجد صعوبة في النوم ليلاً.” تقول لمى (اسم مستعار لسيدة من سري كانيه/رأس العين، ومقيمة في قامشلي)، وتضيف إلى أنه في السنة الثانية من عمر طفلها، نزحت العائلة إلى مدينة قامشلي، وهناك، بدأ الطفل يفقد شهيته عن الطعام، وربطت الأمر بالنزوح وتغيّر المكان، وإمكانية تعرّض الطفل لصدمةٍ نفسية نتيجة حالة الرعب أثناء الخروج من المدينة، ومع مرور الوقت زادت حالته سوءاً، واقتصر تناوله للطعام على وجبة واحدة، واستمر ذلك مدة ثلاث سنوات، الأمر الذي أجبر العائلة اللجوء لطبيب مختص.

قام أول طبيب بتشخيص حالة الطفل على أنها اضطراب طيف التوحد، إلا أن العائلة لم تقتنع بهذا التشخيص، خاصةً وأن الطبيب لم يقم بإجراء الفحوص اللازمة، أما الطبيب الآخر في إحدى المحافظات السورية، فقد قام بتشخيص حالته وتبيّن أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة، وبدأت حالته تتحسن مع الأدوية التي وصفها الطبيب، وساعدته على التركيز، إلا أن تغذيته لا زالت مقتصرة على أصناف محددة من الطعام.

إن أهم أسباب تزايد حالات اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة لدى الأطفال والطفلات ممن دون سنّ السادسة، تعود إلى الضغوط النفسية، والتدخين عند النساء الحوامل، إلى جانب التعرّض للتلوّث البيئي، والولادات المبكّرة، بالإضافة إلى انتشار الهواتف والأجهزة الذكية لدى الأطفال والطفلات، ووجودهم/نّ في بيئات عائلية غير مستقرة، بحسب ما يوضّحه يحيى سعدون الاختصاصي في الأمراض العصبية في مدينة قامشلي.

ويؤكّد يحيى أنه من الضروري وجوب التفريق بين اضطراب فرط الحركة، واضطراب التوحّد على اعتبارهما حالتين مختلفتين تماماً، ويوضّح الطبيب المختص أن الأطفال والطفلات المصابين/ات باضطراب فرط الحركة يتميزون/ن بالقدرة على التواصل البصري الجيد، والاستجابة للأوامر والتفاعل المجتمعي، مع امتلاك لغة تواصل جيّدة، وتقتصر الأعراض على فرط الحركة والميل إلى التصرّف باندفاع، إضافةً إلى مشكلة في التركيز مع وجود تقلّبات مزاجية تغلب عليها العصبية، وافتقاد التعامل الصحيح مع الضغوطات، إلى جانب التأخر الدراسي، وينوّه إلى أن حدّة الأعراض تختلف من طفل/ة إلى آخر/أخرى، لذا فإن الطبيب يشير إلى أنه من الضروري عدم الاستخفاف بالاضطراب، وأهمية تلقّي العلاج السلوكي المناسب إلى جانب العلاج الدوائي في بعض الحالات، لضمان الحصول على نتائج أفضل، وتحقيق الشفاء التام.

أما محمد عبد الحميد الاختصاصي في أمراض الأطفال والطفلات من مدينة قامشلي، فإنه ينوّه إلى أنه لا توجد آلية محددة لتشخيص اضطراب فرط الحركة لدى الأطفال/الطفلات، ويقتصر على المعاينة السريرية، مشدّداً على الأثر الإيجابي لرعاية الطفل/ة من الناحية النفسية، واتّباع أساليب التربية السليمة، وإبعاده/ها عن الأجهزة الذكية، لذا هناك حاجة لوجود مراكز متخصصة في العلاج السلوكي لاضطراب فرط الحركة، لاسيّما في ظروف وتبعات الحرب الدائرة في البلاد لسنوات طويلة.

يمكن لذوي/ات الأطفال والطفلات الشعور بالقلق واللجوء لاختصاصيين/ات، عند استمرار فرط الحركة لساعات طويلة خلال اليوم وعلى امتداد ستة أشهر، وعند بدء التراجع في الدراسة، وغياب التركيز، بحسب ما يوضحه المرشد الاجتماعي يوسف أحمد من مدينة عامودا.

ويضيف يوسف أنه من الضروري للتعامل مع الاضطراب، تقليل تناول السكريات والوجبات السريعة من قبل الأطفال والطفلات، واستبدالها بالوجبات الصحية، إلى جانب كسر الروتين اليومي، من خلال التنوّع في الأنشطة، والخروج للطبيعة، وممارسة الرياضة، والنشاطات البدنية لتفريغ الطاقة عند أطفال وطفلات الاضطراب، واتّباع أساليب تربوية بعيداً عن العنف والتوتّر.